عندما رأيته وهو يسحب خطواته المثقلة بوجع السنوات، ويتحدث بصوت بالكاد يسمع من جراء عملية أجراها في حنجرته، قلت في نفسي: يا سبحان الله، هل هذا من أسس ببلاغة قلمه، أدب الرواية في بلده السعودية؟ فماذا كسب خلال مسيرته الأدبية؟ وماذا ترك لغيره خاصة ممن ساروا خلفه على نفس الطريق؟ وكم انسانا يعرفه في المملكة غير الأدباء والمهتمين بهذا الفن؟ وكم قلما يذكره بعد أن وصل الى هذه السن؟ أسئلة كثيرة دارت في ذهني عندما سلمت عليه وقبلت رأسه، ثم مد لي كتابا يضم مجموعاته القصصية وهو يبتسم، غادرت بيته بعد أن شكرت زوجته وبناته على كرم الضيافة، وأنا أتساءل بعد عام كيف سيكون حاله أو حالي أنا؟! عندما كنت في المرحلة الثانوية، أحببت الصحافة، وكان من أمنياتي أن أدخل هذا المجال حتى ولو عن طريق المراسلة، لذلك كنت قبل أن أتوجه للمدرسة، أضع في مكتب البريد عدة أظرف مرسلة الى الجرائد الكويتية الخمسة آنذاك، تحتوي على مقالات وخواطر وقصص قصيرة، ولم يكن أحد يعرفني في ذلك الوقت، بسبب خجلي من صغر سني، وكنت أنتظر فقط الأعوام لتمر حتى أحقق هدفي الكبير في الحياة. وبعد أعوام طويلة تحقق حلمي الذي كان يراودني منذ أن كنت في سن الخامسة عشرة، ولكنني وجدت نفسي في مواجهة الواقع، وأنا أقف أمام خالي منذ أسابيع والذي عمل في الصحافة منذ نشأتها، ويحمل حاليا مسمى أديب لما كانت له يد في تأسيس أدب الرواية في المملكة العربية السعودية، أن هناك جادة أخرى في الحياة، وأهدافا لابد أن نرسمها لتتحقق، بجانب الكتابة الصحافية والأدبية، واننا لابد أيضا أن نرقى في الفكر والقلم، عن طريق ايجاد منهج جديد، يفعّل ليخدم هذا الجانب من حياتنا، بمعنى آخر... ان كان هناك من وضعوا اللبنات الأولى، والبناء شيد وارتفع على أيديهم وعلى أيدي من ساروا بعدهم وعلى خطاهم، فبإمكاننا وضع لبنات أولى لمنهج يواكب العصر، ويرضي العقول، ويضيف الى ثقافتنا الحديثة المتطورة. نعم، فما كنت أحلم به وأنا شابة صغيرة، لم يكن كل شيء بالنسبة لي كما تصورت، وأن الآمال التي توقعتها كانت غير ما كنت أظن، لأن فصول الحياة تكتب، ولكن هناك أبطالا يحركونها! وأختم مقالتي بجملة سمعتها من أحد أصحاب الفكر، في اذاعة الكويت، يقول فيها: ان كان هناك انسان هدفه أن يكون شاعرا، فهذا ليس بهدف!
[email protected]