منذ أن كنت في مرحلة الثانوية، كان حبي كبيرا للقراءة في التاريخ ومتابعة التقارير السياسية التي تنشر في الصحف اليومية، كمثل حب قراءة الشعر والأدب، لذلك عندما درست الصحافة، لم أستغرب حينما قال لنا أستاذنا: من صفات الصحافي الناجح أن يكون لديه حس الفضول لمعرفة ما وراء الحدث، وألا يأخذ الأمور كما هي، إنما لابد أن يضع التساؤلات والاستنتاجات حول ما حدث ويأخذها بمنظار آخر غير ما كتب وغير ما عرض.
ولا أدري لماذا ربطت هذا الأمر بالمشهد الذي يتكرر أحيانا في الأفلام الأجنبية، عندما يقف العروسان أمام القسيس لتزويجهما، ويلقنهما عهد الوفاء والحب، ثم ينظر إليهما وهو يبتسم، بعدها يوجه كلامه للزوج: والآن.. يمكنك أن تقبل زوجتك بينما تفاجأ بأن تلك المرأة حامل أو لديها طفل أو أكثر من ذلك الزوج، فيعلق المشاهد متصنعا الغباء «جميل أن تكون هي أول قبلة لهما في تلك الليلة السعيدة».
هكذا هي السياسة، عندما تقرأ خبر زيارة أو مشاورات أو علاقات ثنائية، أو حتى هجوم أو اعتداء، سواء كان الأمر على مستوى عالمي أو عربي أو أجنبي أو بين أفراد أو جماعات، فليس ما يكتب هو كل شيء، وبالمقابل ليس كل شيء قابل للكتابة، وأيضا ليس كل تحليل لقضية أو حدث ما يكون تحليلا محايدا، أو ينقل لك الصورة الحقيقية، لأن الحقيقة قد تكون مغيبة لمصلحة طرف أو آخر، ومن ضمن الأمور التي تلاحظ لمن يهتم بملاحظة ما يجري على الساحة السياسية، قد تكون داخلية أو خارجية، أن تجد اثنين لا صلة لهما ببعضهما من حيث الفكر أو المبدأ أو الجماعة، يجتمعان لأول مرة للتعارف أو التقارب، بينما الحقيقة أن علاقتهما قديمة، والتعاون بينهما كان يتم في الباطن، ولكنهما اختارا الوقت المناسب لنشر هذا عبر وكالات الأنباء والصحف لهدف ما. والمضحك المبكي أن تجد آخرين يثيرون زوبعة على قضية حساسة فيشتم هذا ويسب ذاك، وبعد انتهاء المشهد وغياب الكاميرات، يتصل هذا بذاك ويبدآن بالضحك والغشمرة، ثم يكون بينهما لقاء أخوي على العشاء، وهنا لا أستغرب من نفسي عندما ربطت هذا اللعبة السياسية، بمشهد العروسين اللذين أتيا للزواج، وقد كانا قد قضيا سنوات مع بعضهما البعض في بيت واحد، وابتسامة القسيس وهو يقول لذاك الرجل: والآن.. يمكنك أن تقبل زوجتك!
[email protected]