أنوارعبدالرحمن
لاأزال أتذكر عندما كنت في المراحل الدراسية والسباق بين بعض الطالبات للحصول على الصفوف الأولى في الطابور خاصة عند برنامج الصباح، وبعد انتهاء تحية العلم والبرنامج الصباحي الممل تلتف الطالبات إلى الخلف للانتقال إلى فصولهن، وعندها يصير من تسابقن على الوقوف في أول الصف في الخلف من الطابور، فهن عندما تنافسن على هذا المكان لم يكن ذلك سوى لإثبات أنهن الأنشط والأفضل وفي المقدمة أمام المعلمات، ولكن الأمر الذي يثير استغراب البعض منهن حين تعجز إحداهن عن إجابة سؤال يطرح في البرنامج الصباحي وأمام الطالبات والمعلمات والإدارة كلها، ثم تخرج من بين الصفوف الخلفية طالبة قد تكون ضعيفة في الدراسـة، ولكن تجيب عن هذا السؤال الذي عجز الجميع عن الإجابة عنه.
لم يكن طابور الصباح إلا مثالا قريبا من أمثلة الحياة، فهناك من يتقاتل من أجل المنصب الرفيع والرئاسة حتى يكون في مقدمة السرب ويصبح الآمر والناهي والمتسلط والمتحكم والذي يضع قوانين قاسية وتعسفية ليست عن دراية وفهم للواقع والحياة والبشر الذين يقفون خلفه من الطابور، ولكن من أجل أن يبقى هو من يسلط عليه الضوء وتلاحقه الكاميرات فهذا يكتب عنه وهذا ينقل على لسانه والمجتمع يتناقل سيرته رضي من رضي وسخط من سخط، هؤلاء للأسف غالبيتهم لا يعلمون أن هناك من يقف في الصف الأخير من الطابور أفضل وأكثر خبرة ببواطن الأمور، يسيرون بحكمة وثبات يذهلان الآخرين، فليس كل من يقف في مؤخرة السرب هو الأضعف والأقل سيطرة كما يعتقد البعض، بل ممكن أن يلتف هذا الطابور الطويل فجأة ليصبح من هم في الخلف في مقدمة السرب، ليس لأنهم أحدثوا انقلابا على الأوضاع، ولكن لأنه في اللحظة المناسبة التي وقف الجميع يبحث فيها عن الحل خرجوا أمام الملأ ليقدموا أنفسهم بكل تواضع وحكمة لا ليقولوا نحن الأفضل كما قال من قبلهم، ولكن ليؤكدوا أن هناك من يستطيع أن يقدم ما هو أفضل حتى لو كان في آخر الطابور، هنا تتجلى حكمة الخالق في خلقه، حينما يلتف الطابور ويصبح من هم في الخلف في المقدمة، وربما المناصب الكبيرة تكون غالبا للأقوى، ولكن ليست دائما هي للأفضل والأجدر.