أنوارعبدالرحمن
أحيانا يجد الكاتب ـ حتى أكبر الكتاب ـ ان هناك من أبدع في صياغة موضوع ما بطريقة أفضل منه وأبلغ في إيصال الرسالة المطلوبة للقارئ، فالحروف الأبجدية بين يدي كل كاتب يعبر من خلالها عن فكرته ومشاعره كما يريد ومتى شاء، وهي كالألوان أمام الرسام تماما الذي يستخدم الريشة ليعبر عن أحاسيسه بلوحاته المنوعة.
وأنا أعترف بأن الخاطرة التي قرأتها في منتصف الثمانينات للقارئة كوثر حسين من ليبيا وما زلت أحتفظ بورقتها الصفراء الذابلة إلى هذا اليوم، إنها عبرت عن شعور إنساني وددت لو كنت أنا من صغت حروفه، كلما رأيت هذا العالم الذي يختنق غضبا وحزنا ويأسا من أوضاع سيئة فرضت عليه تسليت بقراءة خاطرتها، وقلت في نفسي ما أشبه اليوم بالبارحة، وإليكم مشاعري التي عبرت عنها هذه الكاتبة بلحظة تمنيتها..
أماه.. خذي وشاحي وعلى الباب علقيه، ولكل من سأل عن عني قولي:
غادرت ولم تلتفت.. كما لم تسلم
حدثتني يوما إنها تفكر بالرحيل لعالم لا يعرف الظلم ولا الفقر
ولا ترى فيه أطفالا يموتون جوعا وأفواههم مفتوحة، وأعينهم تتلمس كسرة خبز
خبريهم يا أماه وأنت تقرئين حروفي.. إني ساخطة
وإني لو استطعت لقتلت مخترع الخنجر والبندقية..
ولزرعت قلبي في كل الأجساد، فهو بالسلم يكبر، ويعشق النفوس الطيبة وينشر الآمال..
أماه.. اذكري لهم أني عشقت الحرف الداعي إلى طيب الحياة، ولكم تألمت وبكيت كباقي البشر، غير اني كرهت فيهم النفاق والأنانية، كرهت أن يكون الإنسان إما جلادا أو مجلودا، حاسدا أو محسودا، فما لهذا العالم يختنق؟ انه الصراع والقوة البربرية.
أماه.. حينما تجمعين حوائجي، اتركي فستاني الوردي في مكانه، فقد أحببته كثيرا، لأني تمنيت أن يكون العالم حديقة ورود تزين الحياة، آه يا أمي لو تعلمين ما بي.
كم بكيت في ظلام الليل لأطفال ولدوا وآخرون في الطريق ولكننا في الغد لا ندري كيف سيعيشون؟
أماه.. قبل أن أختم أحرفي، قولي للقوم.. كانت الصبية رقيقة شاعرية، تغازل القمر في السماء وحبات المطر الندية، كانت إنسانة تعشق الإنسانية وترفض أن يصبح الإنسان وحشا في الغابة.