أنوارعبدالرحمن
منذ فترة استضافت إدارة أكاديمية الإعلام أحد الإعلاميين المخضرمين كعادتها كل يوم ثلاثاء، وذلك لاستعراض تجربته الناجحة في مجال الإعلام أمام طلبة قسم الصحافة، وعندما انتهى الضيف من حديثه ترك «المايك» للطلبة، كي يحاوروه ويطرحوا عليه الأسئلة، ولكن فوجئت الإدارة بأن الطلبة الذين لديهم جرأة في طرح الأسئلة في كل مرة على الضيوف لم يرتفع عددهم، فالوجوه نفسها هي هي لم تتغير، ويعني ذلك أنه قد يتخرج 100 طالب وطالبة من قسم الصحافة ولا يحسن إدارة الحوار والنقاش سوى 15 منهم، وهذا يعني أن كثيرا من الطلبة لم يكسروا حاجز التردد والخجل، ويترتب على ذلك إخفاقهم في مهنتهم الصحافية القادمة.
وهذا الموضـــوع الذي أطرحه لكم الآن هو مجرد مثال صغير، لمشكلة كبيرة يعـــاني منــها أغــلب طلـــبتنا بمختلف فئاتهم العمرية ومراحلـــهم الدراسية، فالخجل الذي يعاني منه أبناؤنا وبناتـــنا يمــثل عائــقا لهــم وحاجــزا أمام تقدمهم في دراســـتهم وعلاقـــاتهم الاجتــماعية، فكثير من الحاجات الضرورية في الحــياة تتـــعرقل وتصبح المطـــالبة بها صعبة بسبب الشعور بالخجل، وقـــد تكون هذه الحاجات التي تتطلب المواجــهة، هــي من الحقــوق الإنــسانية أو المادية أو المهنية والعــلمية، والمطالبة بها ترتقي بالفرد ويجد عندها المنفعة الخاصة أو العامة، دون أن يضر بالآخرين.
البعض يظن أن الخجل هو الحياء، ولكن الفرق بينهما كبير جدا، فالحياء خصلة محمودة في الإنسان، وقد تحدثت السنن عن صفة الحياء التي هي من سمات المؤمن، أما الخجل فهو مأساة حقيقية، تحتاج إلى تدريب مكثف وعميق لكي يتخلص منه الإنسان الذي ابتلي به، وأول خطوة وهي مهمة جدا في العلاج، هي استرجاع الفرد الثقة بنفسه، من خلال رؤيته للإيجابيات التي حباه الله بها وأنه ليس أقل من غيره ممن نالوا حقوقهم ودافعوا عن ذاتهم ووصلوا إلى غاياتهم، والخطوة الثانية أن يكسر حاجز التردد الذي يعرقل سيره، فالسكوت على الظلم هو ظلم آخر، والخوف من الدفاع عن النفس في كثير من الأحيان يفتح الباب للآخرين كي يبخسوا حقه ويحطوا من قدره ويلغوا كرامته، ومن يسمح للناس بأن يتحدثوا بلسانه فإنه بذلك قد سلم أمره لغيره، ولذا فعلى الإنسان المصاب بأزمة الخجل أن يدرب نفسه على البدء في فتح الحوار بينه وبين الآخرين سواء الزملاء في العمل أو في الدراسة وغيرها، حتى ولو بحديث بسيط يبدأه بالسؤال عن الحال أو رأيه في الأجواء العامة وأمور مشتركة أخرى وينهيها بالشكر على حسن الاستماع، ولينظر ويستمع ويلاحظ من لديهم القدرة على التحدث والمناقشة كيف يتحدثون مع الآخرين وكيف يتصرفون، مع المحافظة على أدب الحوار والأخلاق العالية في التعامل مع الغير، والحقيقة أن الحديث عن موضوع التخلص من مشكلة الخجل لا تستوعبه مقالة والتدريب العملي هو السبيل إلى إنهاء هذه المأساة.
وأخيرا، هناك أطفال استطاعوا أن يطالبوا بحقوق صفوف بأكملها، بينما عجز بعض الكبار أن ينالوا حقوقهم الفردية بسبب الخجل، أليس الخجل مأساة حقيقة تغلق أبواب السعادة في حياة الإنسان؟