أنوارعبدالرحمن
الحياة، كما يقال، هي مسرح تدور فيه أحداث وقصص كثيرة، وحكاية اليوم واحدة من تلك القصص.
-
اكتب حكايتي.
-
أي حكاية؟
-
تلك التي سأرويها لك الآن.
-
تكلمي.. كلي آذان صاغية.
-
كنت أكبر.. وأشب بينهم، دون أن يلاحظ أحد المشاعر الجديدة التي بدأت تنمو معي وتضيف معاني أخرى إلى نظرتي للحياة، من طفلة تشغلها ألعابها إلى فتاة صارت تجمع الحكايا والأشعار.
-
يبدو أنك أولعت بقراءة الأدب.
-
نعم، ثم حاولت بعدها أن أكتب عن هموم تسكنني، وأحلام تشدني للأعلى، وبدأت أرسلها للصحف والمجلات.
-
ثم؟
-
اكتشف أخي أوراقي، وقام بتمزيقها، وأخذت أبكي بصوت عال ولم تهز دموعي أي أحد منهم، فهي بالنسبة إليهم مجرد خربشات.
-
حقا انه شعور صعب.
-
حاولت لملمة أوراقي وقلبي تملئه الحسرة، ودموعي تجري من أحداقي جريان شلال متدفق، ولكن للأسف.. الكثير منها قد تلف.
-
أكملي..
-
أقسمت أن أكتب وأكتب حتى لو أحرقوها بنيرانهم، وأصرخ بهم قائلة إن لم تكن تعني لكم شيئا، فهي بالنسبة لي تعني.. إنها «أنا»، رغم علمي بأنني الفرد المهمل بينهم، ولن يفهموا معنى «أنا».
-
وأنت في سن صغيرة.. رفعت علامة التحدي.
-
نعم.. وأكملت مشواري، وعاهدت نفسي أن أكتب حتى أصل إلى مستوى لم تصل إليه فتاة في مثل عمري، ونجحت في ذلك نجاحا مذهلا.
-
جميل جدا، أكملي.
-
ثم ظهر من بين أجواء النجاح والصحبة الذين يشاركونني القلم.. قلبه.
-
قلبه؟
-
نعم، ولكن لم تكن هناك نافذة نطل بها على بعضنا، سوى باب الحلم باللقاء الذي لم يتحقق، فقد كانت كل الطرق نحوي مغلقه، فالذي مزق أوراقي الأولى وسخر من حروفي اليانعة، كان ينتظر مني أي زلة، ليصب غضبه وحقده علي.
-
ثم؟
-
ثم قررت أن أغلق باب الحلم الذي بيننا، وأبتعد بهدوء عن الفضاء الذي يجمع حروفنا، وأذكر وقتها أنني بكيت دما حتى تقرحت جفوني على هذا القرار الذي اتخذته من دون أن يعلم هو.
-
اعتقد انه كان قرارا صعبا بالفعل؟
-
والأصعب منه، أنني يوم تعودت على غيابه، أتى بعد سنوات عجاف من عمري لتقع عيناي على عينيه فجأة وسط غابة من الناس، هكذا حقيقة من دون أحلام ولا فضاء بعيد، ليحلف لي بأنه لن يتركني أغيب عن ناظريه بعد اليوم.
-
جميل جدا هذا الشعور، هكذا يكون الحب والوفاء.
-
وبعد يومين، أتى يحمل بين يديه خاتم الخطوبة فكادت الأرض لا تحملني من الفرحة، لقد كان بالفعل صادقا في حبه.
-
حكاية جميلة.. تحمل معاني وأحاسيس أصيلة.
-
ولكن..
-
ولكن ماذا؟ أكملي..
-
جاء من مزق أوراقي وأنا شابة صغيرة، ليكمل تمزيق أوراق سعادتي، وينزع من أصبعينا الخاتم وبكل قسوة.
-
وماذا فعلت بعدها..
-
تمنيت أن لو لم يشرق مرة ثانية في حياتي، وأتسلى بالأمل الجديد، هكذا عدت لأسكب دموعا أخرى على أوراقي.
-
يعني ذلك انك ستتنازلين عن حقك في الحياة؟
-
حقي في الحياة انتزعوه مني منذ ولادتي.
-
والآن.. ماذا ستفعلين؟
-
ربما.. سأفتح باب الأحلام الذي أغلقته منذ زمن، لأننا لن نجد سوى فضاء الحرف الذي يجمعنا من بعيد.. من بعيد فقط.
-
هل هذا هو الحل برأيك؟
-
اكتب حكايتي، واتركها من دون خاتمة، ربما من مزق أوراقي من قبل ومن دون رحمة، سيلم حروفي التي بعثرها وفي عينيه دمعة.
-
تريدين مني أن أكتب حكايتك، وأنت من أذهلت الناس بجمال حروفك.
-
نعم اكتبها أنت، لأن الفرق الذي بيني وبينك أنك ستكتبها بالقلم، ولكنني إن كتبتها فلن أكتبها سوى بالدموع.