أنوار عبدالرحمن
أغلبنا قرأ أو سمع عن بعض الحكايات أو المواقف التي مرت بالعباقرة والمبدعين وإن أول اتهام كان لهم بالجنون، وثانيا رفض من المجتمع بسبب أفكارهم غير المقبولة وغير المعقولة أبدا، والغريب أن أول المنكرين لأفكار هؤلاء المبدعين كانوا الأقربين لهم، وفي النهاية عرفنا جميعا كيف ينتصر الإبداع والفكر الجديد، ويخرج ذلك العمل الفريد من نوعه ليرى النور، رغم مجمل الضغوط والاحباطات والسخرية، ويرد على كل الاتهامات المؤلمة، بعد مقاومة شديدة مع الرافضين لكل فكر وانجاز غير مسبوق يخدم البشرية جمعاء.
والحقيقة التي لا يعلمها البعض أن سبب رفض كثير من أفراد المجتمع لكل فكر جديد وابتكار فريد يخرج إلى الدنيا هو أن بعض العقول لا يتساوى حجمها مع حجم هذا العقل الكبير، لذلك فهي لا تستوعب المعنى المراد من وراء كل فكرة جديدة، ولا تملك النظرة البعيدة مع بداية انطلاق أول شعلة مضيئة منها، فالشخص المبدع كما عرف عنه، لا يمكن أن يسير على أسلوب واحد أو روتين لا يتغير في الحياة، أو يرى الأمور جامدة لا جديد فيها، وهذا ما يشعره بالقيد وبالأسر، لذلك يندفع دائما للبحث عن أفكار جديدة ليحدث التغيير الإيجابي في حياته وفي حياة الإنسان، فالله سبحانه وهبه قدرة تفوق قدرات كثير من البشر، إذن كيف للناس العاديين أن يفهموها، إنها المعادلة الصعبة التي يجب أن نعترف بها.
فالإنسان المبدع حالة خاصة.. كما يقول المتخصصون في العلم الإنساني، ولا يمكن كما يعتقد البعض أن هيئة الإنسان أو شكله أو تصرفاته هي ما تنبئنا عن نوعية أفكاره، بل الصحيح أن أغلب المبدعين عندما تراهم بعينيك تفاجأ كيف خرجت هذه الأفكار الجبارة من عقولهم، بسبب حجم تواضعهم، وذلك لأن الأفكار المتجددة التي تشغلهم أكبر من أن يفكروا بغيرها، أو في الحاجات التي يراها أغلب الناس أنها أساسية في الحياة، ويرونها هم مجرد أمور ثانوية، وكما قيل إن المبدعين هم سبب إحداث التغيير في العالم منذ نشأته، وهم سبب ما توصلنا إليه من تكنولوجيا وغيرها من العلوم التي خدمت البشرية، ولكن بعد رفض وسخرية من المجتمع، وجهد متواصل وتجارب عدة، وهذا ما يغفل عنه غالبية الناس.
أقول هذا، لأننا نعيش في مجتمع «عيني عليه باردة» متخصص في النقد والإحباط، وفي الغالب لا نرى الكفاءة في أبنائنا، أو نتوقع منهم أن يكونوا في يوم ما من هؤلاء المبدعين، الذين أحدثوا ثورة فكرية وعلمية في هذا العالم، بل نقوم بكل أمانة بممارسة عملية الهدم في ذواتهم، ونبخس من قدر أفكارهم، وندفعهم للإحباط من تقديم رؤية جديدة أو عمل إبداعي، وهذا ما يشكو منه أغلب شبابنا وبناتنا الذين يعيشون على حلم التغيير الإيجابي في المجتمع، ويبحثون عن اليد التي تدفعهم كي ترى مشاريعهم النور، وعمن يحتضن أفكارهم ويلاقيها بالقبول، فقط علينا أن نثق بقدراتهم، وأن العقول الجبارة التي قدمت للعالم خدمات حقيقية لم يتوقع حدوثها في الأمم السابقة كانت قد مرت برحلة الألم نفسه والنكران بذاته، وإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يضع القوة والمهارة والإبداع في أي من خلقه، فلماذا لا نتوقع أن يخرج من بيننا مبدع يغير من خريطة عالمنا المحبط، ويبدل من اعتقادنا السلبي؟!
[email protected]