ـ بعض الأحيان أشعر بأن كل ما في الطبيعية من نبات وجماد يتحدث إلينا ولكن لا نلتفت إلى صوتها.
ـ كيف ذلك أيها الخيالي؟
ـ لو تمعنت للحظات فيما حولك، لعرفت أن هناك منهجا علميا عميقا في المعنى، لم يفصل في الكتب الدراسية.
ـ وما هذا المنهج؟
ـ إن كل شيء في الكون له صورتان: بدائية ونهائية، أو أولى وآخرة، وبين كل صورتين هناك صورة مهمة ألا وهي الصورة الوسطى.
ـ ممكن أن تفصل لي المعنى من ذلك، أيها الفيلسوف؟
ـ قل لي أولا.. ماذا بين الرأس والجسد؟
ـ العنق.
ـ وماذا بين السماء والأرض؟
ـ أفق.
ـ هل استنتجت من ذلك شيئا؟
ـ في الحقيقة لا أدري ماذا تعني؟
ـ أعني.. أن ما بين كل صورتين أو أمرين، في كل شيء بالحياة، هناك طريق مهم يربط بين الأول والآخر، لولاه لا يمكن أن تفصل بين الجزأين، وتجد لهما معنى أو عبرة أو هدفا.
ـ وماذا أيضا؟
ـ هناك لغة تربط بين الإنسان والحيوان والنبات، القليل من يعرفها، والبعض يتعامل معها من دون أن يدري بأنه يمارسها، ألا وهي لغة الحب.. النابعة من الروح.
ـ امممم.. كأنك بدأت تهذي.
ـ أنا لا أهذي ولكنها حقيقة، خذ نظرة دقيقة لمن يتعامل كل يوم مع الحيوانات أو النباتات، وقارن بمن يعاملها بحب أو بقسوة، فحينما يتحدث إنسان كل يوم إلى أي حيوان ما بلهجة لطيفة فيها رحمة وود، سيبدأ شعور الحيوان هذا تدريجيا بالتغير نحو الإحساس بالأمان والاطمئنان للمتحدث إليه، ثم يروض، ويفهم حديث ذلك الإنسان، وحتى علامات الرضى والزعل الصادرة منه.
ـ صحيح.. صحيح، وماذا عن النباتات، وكيف تفهم لغة الإنسان أو هو يفهمها\؟
ـ هذا ما عبر عنه كثير ممن يتعامل مع الأرض والنباتات، ويقومون بالتحدث إلى الورود أو السنابل أو الأشجار وغيرها، بطريقة لطيفة ولمسة حانية، يجدون بركة هذا الود، من خلال صحة النبات وعمره، ومستوى إنتاجه.
ـ هذا شيء رائع جدا.
ـ وماذا تستنتج من ذلك كله؟
ـ ممم.. أترك الاستنتاج لك.
ـ نستنتج أن الروح سر من أسرار الكون التي لم يعرفها أحد، ولن يصل أحد إلى ماهيتها، ولكنها هي التي تحول المادة الميتة إلى مادة حية، في النبات والحيوان والإنسان، إذ إنها عامل مشترك بين كل حي، وتتعامل بلغة واحدة وإن اختلفت ألسنتنا.
ـ أشعر بأنك فتحت لي نافذة جديدة للحياة، وأجد رغبة كبيرة في معرفتها أكثر.
ـ هل سألت نفسك ما سر جمال قوس المطر؟
ـ أرى أن سر جماله، في تعدد ألوانه السبعة.
ـ وماذا تستنتج من ذلك أيضا؟
ـ ممم.. لم أفكر في ذلك بعد.
ـ أنا استنتجت أن جمال الحياة جاء من تعدد ألوان فكر الإنسان، وأن من الظلم أن نرغم غيرنا على تبني أفكارنا، أو نسير الآخرين على نهج واحد، ما لم يتعد في ذلك على الدين أو الأخلاق، ولولا الاختلاف في الاهتمامات والأذواق، لم تتعدد الاختيارات، ولم نشعر بطعم ما نختار وما ننتقي.
ـ هذا صحيح.. والدليل انني مستمتع برؤيتك الجديدة للحياة.
ـ إذن.. ابدأ أنت أيضا بالنظر إلى وجود الأشياء وسر جمالها، بمنظارك الخاص، وأمتعني برؤيتك المختلفة عني وأعطني من استنتاجاتك، وأضف إلى معلوماتي معلومات أخرى من فكرك الجديد.
ـ لك ذلك.. في لقائنا الثاني.
[email protected]