الكويت اليوم بحاجة إلى سياسة طويلة المدى تساعدنا ليس في حل مشكلة العجز الحكومي في الميزانية بل تتجاوزه بأن تحقق لنا استقرارا واطمئنانا أمنيا تحافظ على وجود الكويت كدولة ذات سيادة مطلقة على أراضيها، مثل هذه السياسة لا تتحقق بوجود القواعد العسكرية الأجنبية، فخيارات الدول وتحالفاتها تتغير فقد يشرق صباح يوم جديد تتراجع أهميتنا لدى الدول العظمى وتزداد أهمية إحدى جاراتنا فمن يحمينا منها في مثل ذلك اليوم؟
المصلحة الوحيدة التي لا يمكن ان يتخلى عنها الغرب والشرق هي مصالحهم الاقتصادية والتجارية وأموال مواطنيهم، لذا لا بد ان نتعامل معهم وفق هذا المنظور الذي يحقق لنا ما نريد من خلال خلق واقع جديد يغير المعادلة التي فرضت علينا لعقود لنتحول من دولة تصدر أموالها الفائضة لكل دول العالم الى دوله تستقطب الأموال والاستثمارات من العالم اليها.
منذ نهاية القرن قبل الماضي والمنطقة بشكل عام تتأرجح بين الأحضان الأوربية والأميركية، ورغم اختلاف أدوات أوروبا وأميركا في المنطقة الا ان الغالب ان أهمية الكويت بشكل خاص تتأرجح في مدى أهميتها مقارنة بجيراننا الثلاثة، والكويت تعاملت مع هذه الحقيقة المزعجة التي تحتاج إلى نشاط ديبلوماسي إقليمي دائم يلعب على وتري الصداقات والتناقضات.
الحل الحقيقي لتجاوز هذه الأوضاع غير المستقلة يكمن في خلق أهمية مستدامة للكويت قائمة على صداقات ومصالح متوازنة ومستقرة مع الدول المحيطة والدول القوية اقتصاديا وعالميا، وهذا ممكن تحققه من خلال إقامة شراكات اقتصادية وتجارية مع عدة دول ليصبح استقرار وازدهار الكويت مرتبطا بها فتزداد أهميتنا اقليميا وعالميا وتتحقق المعادلة الصعبة بين التنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني والسياسي.
حاليا في هذا الأفق القاتم لا يلوح لنا إلا مشروع تطوير الجزر الكويتية الذي إن استطعنا أن ننجزه كما خطط له كمشروع قائم أساسا على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر وبأقل كلفة على خزينة الدولة سيكون صمام الأمان للكويت من الاخطار الخارجية فتربط مصلحتنا بمصالح دول المستثمرين فتزداد أهميتنا الإستراتيجية للعالم كله، ولكي يتحقق هذا الحلم الكبير لا بد ان يتكامل بل يكون جزءا من مشروع طريق الحرير الذي تتبناه جمهورية الصين الشعبية والذي بدأت نتائجه تتحقق بعد وصول اول شحنة من الصين الى إنجلترا عبر احد طرق هذا المشروع الاسبوع الماضي.
الصينيون يختلفون عن النهج الغربي الذي كنا نتعامل معه في آخر مائة عام، هم لا يبحثون عن نفوذ عسكري او كيفية الاستفادة من أموال الدول بل مشروعهم مبني على أساس المنفعة المشتركة ولا بد ان نتعامل معهم على هذا الأساس.
ختاما، جمهورية الصين تدار بعقلية مختلفة تخطط وتحدد الأهداف ثم تعمل ليل نهار من اجل تحقيقها، بمعنى اخر ان لم نكن جزءا من هذا المشروع فسيجدون غيرنا سريعا!
المهم الا تكون نهاية هذا المشروع كغيره من المشاريع التي أدى الفساد والحسد وتنفيع فلان وفلان وتولية اصحاب الولاءات والمصالح على اصحاب الكفاءة! حينها سيكون لسان حالنا راحت الديرة من يوم تهاوشنا على مشروع الجزر.