@awadh67
[email protected]
يذكر لي أحد الأصدقاء حادثة غريبة حصلت له وكانت سببا في تغير مجرى حياته، حيث تلقى وقتها صفعة لم يتوقعها ومن أحب الناس وأقربهم له، ولكنها الصفعة التي أيقظته من غفلته وفقدانه للشعور بنفسه ومن الموت البطيء الذي هو ذاهب إليه بقدميه.
وكانت تلك الصفعة الساخنة من ابنته ذات السبع سنين التي أتته تجري إليه بقدميها مشتاقة له ولضمته المعتادة وهو عائد من عمله لابسا زيه العسكري ومشبعا برائحة التدخين، فقالت له بعد أن احتضنته وقد زكم أنفها ما اشتمته من ملابس أبيها، قائلة له بتلقائية الطفلة البريئة باللهجة الكويتية «وييييع ريحتك مو حلوة بابا من الزقاير».
يكمل الصديق حديثه ويقول: لقد كانت هذه الصفعة الساخنة أمام مرأى ومسمع من أمي وأبي وزوجتي، فلم أتمالك نفسي وقتها وأنا أحملها بين يدي وهي تضع أناملها الناعمة على أنفها الصغير وتدور برأسها عني متضايقة من رائحتي، فقد كانت أقوى صفعة تلقيتها في حياتي، وممن؟ من أغلى الناس على قلبي، ومنذ ذلك الحين ومن لحظتها قررت مقاطعة نهائية للتدخين لا رجعة بعدها أبدا، وألا تلامس السجائر شفتاي بعد الآن.
ثم تفكرت بعدها مليا كيف صبرت زوجتي على رائحتي طوال تلك السنين، وكيف صبر على رائحتي قبلها أمي وأبي واخواني واخواتي واحبابي ومن هم محيطون بي، انها والله الغفلة، كنت احدث نفسي، كيف كنت اعيش مغضبا ربي ومزعجا أهلي واحبابي وأعز الناس علي ومسببا الضيق لأصدقائي وزملائي ولم اشعر بذلك.
ألا يستحق كل هؤلاء أن اقطعها من أجلهم؟!
شكرا ابنتي الغالية، لقد تضاعفت محبتك مرتين بعد تلك الصفعة الحانية، كما أرجو المعذرة من والدي وأحبابي ان كنت سببت لهم أي ضيق، وأرجو الرحمة والعفو والمغفرة من ربي وخالقي ومولاي على ما اقترفته يداي في سالف الأيام بحق من احب.
ما احوجنا اليوم يا اخوة ويا اخوات الى هذه الصفعات الموقظة في جوانب حياتنا المختلفة، فالغفلة واردة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ومتوعد بغوايتنا الى يوم الدين، فما أحوجنا الى صفعات المحبين الحانية، فصديقك من صدقك (أي صدقك القول والنصيحة ولم يخدعك) لا من صدقك (أي وافقك على كل ما تقول).
نعم، ان لم تقطعها من أجلك انت، فانهم يستحقون ان تقطعها من اجلهم، فقط اعقلها وتوكل.