د.بدر نادر الخضري
كما ذكرنا مسبقا أن شهر رمضان الفضيل يتميز بالروحانية العبودية من خلال قراءة القرآن الكريم وسماع الأحاديث الشريفة والقصص النبوية والروايات الدينية، لكن لا يمنع ذلك نقل بعض القصص والحكايات الإنسانية والاجتماعية من عالمنا المعاصر التي تجعلنا أن نريح أنفسنا ببعض الأحداث المنقولة من الغير لنستزاد منها العبر والحكم والمواعظ، فهذه القصة منقولة كما تم روايتها.
ففي إبان الحرب الأميركية في ڤيتنام، رن جرس الهاتف في منزل من منازل أحياء كاليفورنيا الهادئة، كان المنزل لزوجين مسنين لهما ابن واحد مجند في الجيش الاميركي، كان القلق يغمرهما على ابنهما الوحيد، يصليان لأجله باستمرار، وما إن رن جرس الهاتف حتى تسابق الزوجان لتلقي المكالمة في شوق وقلق.
- الأب: هالو (hello)... من المتحدث؟
- الطرف الثاني: أبي، أنا كلارك، كيف حالك يا والدي العزيز؟
- الأب: كيف حالك يا بني، متى ستعود؟
- الأم: هل أنت بخير؟
- الابن كلارك: نعم أنا بخير، وقد عدت منذ يومين فقط.
- الأب: حقا، ومتى ستعود للبيت؟ أنا وأمك نشتاق إليك كثيرا.
- الابن كلارك: لا استطيع الآن يا أبي، فإن معي صديق فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب وبالكاد يتحرك ويتكلم، هل استطيع ان احضره معي يا أبي؟
- الأب: تحضره معك؟!
- الابن كلارك: نعم، أنا لا أستطيع أن أتركه، وهو يخشى أن يرجع لأهله بهذه الصورة، ولا يقدر على مواجهتهم، إنه يتساءل: هل يا ترى سيقبلونه على هذا الحال أم سيكون عبئا وعالة عليهم؟
- الأب: يا بني، مالك وماله اتركه لحاله، دع الأمر للمستشفى ليتولاه، ولكن أن تحضره معك، فهذا مستحيل، من سيخدمه؟ خاصة أنك تقول إنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى؟ سيكون عالة علينا، من سيستطيع أن يعيش معه؟ كلارك.. هل مازلت تسمعني يا بني؟ لماذا لا ترد؟
- الابن كلارك: أنا أسمعك يا أبي هل هذا هو قرارك الأخير؟
- الأب: نعم يا بني، اتصل بأحد من عائلته ليأتي ويتسلمه ودع الأمر لهم.
- الابن كلارك: ولكن هل تظن يا أبي أن أحدا من عائلته سيقبله عنده هكذا؟
- الأب: لا أظن يا ولدي، لا أحد يقدر أن يتحمل مثل هذا العبء.
- الابن كلارك: لابد أن أذهب الآن وداعا.
وبعد يومين من المحادثة، انتشلت القوات البحرية جثة المنجد الابن كلارك من مياه خليج كاليفورنيا بعد أن استطاع الهرب من مستشفى القوات الأميركية وانتحر من فوق أحد الجسور.
دعي الأب لتسلم جثة ولده.. وكم كانت دهشته عندما وجد جثة الابن بلا ذراعين ولا قدم يمنى، فأخبره الطبيب أنه فقد ذراعيه وقدمه في الحرب، عندها فقط فهم، لم يكن صديق ابنه هذا سوى الابن ذاته (كلارك) الذي أراد أن يعرف موقف الأبوين من اعاقته قبل أن يسافر إليهم ويريهم نفسه.
إن الأب في هذه القصة يشبه الكثيرين في المجتمع، ربما من السهل علينا أن نحب أناسا ممن حولنا دون غيرها لأنهم ظرفاء أو لأن شكلهم جميل، ولكننا لا نستطيع أن نحب أبدا «الاشخاص ذي الاحتياجات الخاصة» سواء أكان عدم الكمال في الشكل أو في الطبع أو في التصرفات.
لنقبل كل واحد منا على نقصه متذكرين دائما اننا نحن، أيضا، لنا نقصنا، وإنه لا أحد كاملا مهما بدا عكس ذلك.
فاكهة الكلام
من كتاب جواهر البحار:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على أكسل الناس، وأسرق الناس، وأبخل الناس، وأجفى الناس، وأعجز الناس؟
- قالوا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال صلى الله عليه وسلم:
- فأما أبخل الناس: فرجل يمر بمسلم ولا يسلم عليه.
- وأما أكسل الناس: فعبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا لسان.
- وأما أسرق الناس: فالذي يسرق من صلاته، فصلاته تلف كما يلف الثوب الخلق، فيضرب بها وجهه.
- وأما أجفى الناس: فرجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ علي صلى الله عليه وسلم وأما أعجل الناس: فمن عجز عن الدعاء.
[email protected]