تبادر الى ذهني قصة ذلك البدوي وابنه اللذين اضطرا لأن يقطعا مشيا على الاقدام مسافة طويلة في صحراء قاحلة إلى مبتغاهما تحت وطأة شتاء قارص لا يرحم، ومع مرور الوقت بلغ الجوع من الصبي مبلغه وهو يعلم أن شكواه لن تجد آذانا مصغية من أب يشاطره الجوع نفسه... لكنها الصحراء لا تبالي بمن يأنّ ولا تعير انتباها لمن يشكو.
وفي أثناء مسيرهم لمح الصبي قطا بريا وجد فيه خلاصا لجوعه فبادر أباه يسأله «القطو يوكل يبا؟» فأجابه أباه «يا وليدي ما يوكل» ولم يكن جواب الأب مقنعا للصبي فسأله مرة أخرى «لكنه سمين يبا» بتشديد الياء فجاءه الرد مرة أخرى «يا وليدي ما يوكل» فما كان من الصبي إلا ان تناول حجرا أصاب به القط بمقتل في غفلة عن والده الذي اعتقد ان ابنه قد سمع نصيحته فقام بالاحتفاظ به الى حين أكله. أنا لا اعلم ان استساغ الابن ما يأكل ولا أبالي بطبيعة الحال.
كم منا بداخله هذا الصبي الذي لا يتقبل نصيحة ولا يأخذ بمشورة ولا يتعظ بسوء ما آل إليه من اعتقد ان المال العام (يوكل). وان استغلال المناصب وفتح الشركات الوهمية وإرساء العقود وشبهات التنفيع والرشاوي هو (بزنس طبيعي).
وكم منا بداخله هذا الصبي الجائع لاغتصاب كرسي لا يستحق الجلوس عليه أو حتى المرور بجانبه أو لثروة لا يعنيه مصدرها ولا يهمه طرائق انفاقها، فنحن يا سادتي في زمن غايتنا فيه اسمى من وسيلة الوصول اليها، والمهم الوصول حتى وان كان على أشلاء بعضنا البعض، لما لا وجوع الأخلاق لا يرحم والرغبة بالاستئثار تعمي البصائر والأبصار.
ان حظ مجتمعنا العاثر وضعه أمام مسوخا جائعة لا يعنيها إلا شبعها، متلونة تارة بالدين وبالتشدق بالأخلاق تارة أخرى، حتى اضحى سرقة المال العام حقا مكتسبا وتكديس العمولات والصفقات المشبوهة شطارة وتجارة.
انني اعلم عم اليقين أن مأساتنا مع هؤلاء مستمرة في كل زاوية من زوايا حياتنا ولكن الذي لا أعلمه ان كانوا يعون شدة غثياننا من وجودهم بيننا!
ولهؤلاء أقول إن التاريخ حوى من أشباهكم كثرا ظنوا كل الظن ان ثروات كدسوها او مناصب ارتقوها قد تعصمهم غافلين انهم نصبوا شراكهم بأفعالهم، وصنعوا سوء منقلبهم بسوء صنيعهم، فلا يتوقعون منا بعد الآن صمتا عليهم لأن القبر سيوفر لنا متسعا من الوقت لنصمت.
ونصيحتي للإثنين اللي في بالي (اتقوا شر الحكيم اذا غضب، اتقوا شر أهل الكويت المخلصين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، اتقوا شر حوبة الكويت)
أدام الله من أراد لهذا البلد خيرا، ولا أدام سراق المال العام.