لاشك أن هناك أكثرية معتبرة في الشارع الكويتي تعتقد أن الاستجواب فعل بطولي لا يقوم به إلا الأبطال من ممثليهم الذين يمثلون المعارضة لهذه الحكومة التي يكرهون الكثير من ممارساتها التي يعتقدون بأنها راعية الفساد والتردي في هذا الوطن وبالتالي فإن النائب الذي يريد تجديد شعبيته ويقول لقواعده الشعبية ها أنا ذا موجود وفعال سيكون الاستجواب المطية المضمونة لتحقيق هذه الغاية خصوصا كلما زاد الحديث عن حل لمجلس الأمة.. لذلك فانني أعتقد جازما بأن بداية دور الانعقاد القادم ستمثل انطلاقة لسباق ماراثوني لتقديم العديد من الاستجوابات التي هلت بوادرها منذ وقت قصير فتعيين أو عدم تجديد لقيادي يمثل قضية مغرية لتقديم استجواب، كما أن تقريرا من تقارير ديوان المحاسبة يمثل حصان طروادة لصحيفة استجواب معتبر بل وخطير، ووزير لا يخضع لإرادة نائب سيكون مادة لحشو ساندويشه أصبح اسمها استجوابا وهكذا دواليك، لتصبح تلك الأغلبية المعتبرة من الشارع الكويتي منفرجة الأسارير معتقدة بأن هذه هي إرهاصات الإصلاح المنشود لتأتي الانتخابات ويعاد انتخاب النواب الأبطال الذين قاموا بتقديم استجوابات، ويتأكد النجاح عندما يدهن الاستجواب بالمزيد من المطيبات كبعض الشتائم والصراخ والانفعالات المبالغ بها وتذهب المصلحة الوطنية ومصالح هذه الأغلبية المعتبرة (وهي منتشرة في جميع مناطق الكويت) وهم لا يشعرون بل فرحون.. ولو أنهم رجعوا للماضي القريب جدا لرأوا كم استجواب مضى ولم يتحقق أي إصلاح اللهم إلا عزل وزير فقط لا غير في أحسن الأحوال أو بعض توصيات لا تغني ولا تسمن من جوع بل وأدت للكثير من المفاسد (مثل بعض الرشى) ليتحول المجلس والدستور والأدوات الدستورية لإثبات بطولات كرتونية وأمجاد شخصية ولإرضاء أغلبية قد تكون مخلصة للوطن ولكنها بجهلها وضعف وعيها الديموقراطي والدستوري الذي يتحمل وزره الحكومة والأحزاب أو التيارات السياسية المتواجدة على ساحة العمل السياسي.
إذن ما الحل وكيف سيكون المستقبل وهل يجب تقييد الأدوات الدستورية بالطبع لا، فالحل سهل وبسيط ويتمثل ببث الوعي الديموقراطي والدستوري الذي يأتي في مقدمته أن الشعب الكويتي شعب واع والإتيان بوزراء قادرين على مواجهة نواب كهؤلاء وفضحهم وفضح غاياتهم الحقيقية أمام الشارع.. ولإيضاح الصورة أمام هذا الشارع فان تقارير وملاحظات ديوان المحاسبة ما هي بمادة لاستجواب إلا بعد أن يناقشها المجلس ذلك أن ديوان المحاسبة هو الجهة المكلفة دستوريا بفحص دفاتر الوزارات والمؤسسات الحكومية ورفع تقرير شامل متكامل لسمو الأمير حفظه الله ليحيله بدوره لمجلس الأمة الذي يقوم بدوره بمناقشة هذا التقرير عند مناقشة الميزانية العامة للدولة بحضور الحكومة وتتم محاسبة الوزراء على المخالفات كل فيما يخصه للمعالجة والقضاء على مواطن المخالفة والخطأ، بيد أن واقع الممارسة العملية يؤكد أن هذا التقرير السنوي الخطير اعتاد مجلس الأمة إهماله وسلقه، فهناك ملاحظات ومخالفات يكررها الديوان منذ سنوات ولا يهتم المجلس بها ولا يحاسب عليها في وقتها الدستوري أي عند مناقشة التقرير السنوي لتحقيق الإصلاح ولكن هذه الملاحظات والمخالفات التي يتم السكوت عنها هي في الواقع وقود أغلبية الاستجوابات التي قدمت بسنوات التردي الأخيرة واليوم يملأ أسماعنا وأبصارنا من يهدد باستجواب قائم على الاجتزاء من ملاحظات ديوان المحاسبة وبإهمال فاضح للتقرير الكامل وموعد مناقشته. وحقيقة الأمر أن ديموقراطية لا تقوم على رأي عام مستنير ومع تواجد الكثيرين ممن لم يحققوا اي انجاز الوطني رغم انتخابهم لأكثر من دورة برلمانية سيكون نتيجته الطبيعية مثل هذا العبث وأبرز صوره هو الاستجواب الذي أضحى إنجازهم الكرتوني الذي يضير الديموقراطية والدستور ومستقبل هذا الوطن العزيز. ولا حول ولا قوة إلا بالله القادر الكريم.
[email protected]