منذ اتفاقية أوسلو والتي على أساسها عاد الفلسطينيون وحركة فتح إلى فلسطين وتم تسليمهم حكما ذاتيا محدودا كمرحلة انتقالية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحركة حماس (فرع حركة الاخوان المسلمين في فلسطين) تعارض هذا الاتفاق وتجاهد من أجل إلغائه أو تعطيله، وأعلنوا أنهم لا يلتزمون به، وأعلنوا حقهم المشروع في مقاومة الاحتلال إلى أن يتم إنهاؤه من النهر وحتى البحر، ولم ينجحوا إلا في وضع العقبات بعد العقبات إلى أن تم إيقاف المفاوضات وأعطوا الإسرائيليين المبررات لبقاء الحال على ما هو عليه، بل إن حماس بعد ذلك وقبل أن يعترفوا باتفاقية أوسلو تخلوا عن مقاطعة الانتخابات القائمة على أساس تلك الاتفاقية وفازوا بها تحت شعار أنهم يحملون لواء المقاومة المسلحة حتى يتم النصر المؤزر ومحاربة الفساد والتضييق على الحريات ولكنهم قبل أن يحققوا ذلك النصر على الإسرائيليين حققوا انتصارا ساحقا ماحقا على إخوانهم وأبناء جلدتهم وعلى السلطة الوطنية وقانونها الذي أقسموا على احترامه بأن استقلوا بحكم غزة بعد أن شطروها من السلطة تحت ذريعة وعنوان أن السلطة تقوم بإعاقة عمل المقاومة ومحاربة الإسرائيليين.
وتحقق لحماس الانتصار والاستقلال بغزة وأداروها وفتحوا المجال واسعا لمن يريد إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتركتهم إلى أن أقامت عليهم الحجة وأعطوها المبرر لتقوم بحربها العشواء على شعب غزة المسكين الذي قدم أكثر من أربعة آلاف شهيد وآلافا أخرى من الجرحى والمعاقين والثكلى والأيتام والمشردين، ناهيك عن الحصار الذي أورثوه لذلك الشعب المظلوم أو بالأحرى المختطف من قبل تلك الحركة الشريرة التي بعد كل هذه المآسي التي جلبوها على رأس ذلك الشعب عرفوا أن الله حق فرجعوا ليقوموا بما كانت تقوم به السلطة من منع الاعتداء على الحدود الإسرائيلية بل انهم قاموا يطاردون المقاومين الذين كانوا يريدون ممارسة ما كانت تمارسه وتشجع الآخرين على ممارسته خوفا من الرد الإسرائيلي، بيد أن الغريب هو أن السلطة عندما منعت المقاومين العشوائيين فهي تنفذ ما وقعت عليه من اتفاقات أمام المجتمع الدولي ولكن حماس تقوم به خوفا وجبنا وتطوعا لخدمة إسرائيل ودون اتفاق أو مسوغ فغدت حدود غزة المتاخمة لحدود إسرائيل آمنة تماما إلا أن غزة مازالت محاصرة ومازال شعب غزة محاصرا وممنوعا من إبداء امتعاضه أو غضبه أو اعتراضه أي أن الحريات ضاق الخناق عليها كما أن الفساد اتسعت رقعته ولا يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفة ليس أدبا وإنما خوفا من قمع زبانية حماس.
كل هذا حدث بعدما ركبت حماس على ظهر الديموقراطية إلا أنهم بعد ذلك انقلبوا عليها كما انقلبوا على السلطة وهم الآن يرفضون حتى الانتخابات وقد جرى كل هذا بالشعب الغزاوي بسبب غلطة ارتكبها عندما غيب عقله، واعتقد أن هذه الحركة صادقة «تحت عنوان من يخاف الله لا تخف منه» في مقاومة إسرائيل وتملك مقومات الانتصار وتملك أدوات مكافحة الفساد وتوسيع آفاق الحريات، واليوم هاهم يدفعون ثمنا باهظا منذ سنوات عجاف لم يروا لها نظير وعبر التاريخ.
ولا تبدو هناك بارقة أمل في أن تتخلى تلك الحركة عن حكم غزة وتتمسك بمقاومتها أو أنها تعترف باتفاقية أوسلو وتتخلى عن إعلان المقاومة المسلحة التي تخلت عنها عمليا وواقعيا ليرفع ذلك الحصار عن ذلك الشعب المظلوم الذي يبدو أنه سيستمر في دفع ثمن غلطته التي صدق بها الكلام ونسي الحقيقة التي كانت بين يديه من بناء وأعمال وتجارة وهامش حرية معقولة وحياة إنسانية يعيشها رغم ما فيها من فساد وبعض التردي والمحسوبية التي اشتكوا منها فأعدموا حياتهم وحياة أبنائهم ووضعوا مستقبل وطنهم وقضيتهم على قارعة الطريق وبالهواء الطلق وما أعطوا هذا الشعب إلا الذل والفقر وشق الصف ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن هنا نقول للشعوب احذروا تلك الحركة وفروعها الممتدة في كل مكان فإنها وفروعها تعمل من أجلها وقيادتها وعلى حساب الشعوب فالحذر الحذر، ولا تضيعوا ما بأيديكم من أجل كلام في الهواء سرعان ما يتبخر في الهواء عندما يقبضون على السلطة ويأخذون زمام القوة. وإنا لله وإنا إليه راجعون والحافظ هو العزيز القدير.
[email protected]