ملأوا الدنيا صراخا وضجيجا، وكالوا الشتائم والاتهامات لكل من خالفهم «انبطاحي ـ خائن ـ سارق ـ مرتش ـ حكومي.. وغيرها كثير»، ومارسوا الإرهاب الفكري لأقصى مدى وأعلنوا قضيتهم «إلا الدستور»، تلك القضية التي لا تقبل المناقشة ولا الحديث حولها وكل من لم يتفق معهم أو يختلف معهم بسبب وجيه أو غير ذلك أطلقوا عليه تلك الشتائم حتى قسموا الشارع لأربعة أقسام، الأول معهم ويردد ما يقولون وصوتهم عال كالعادة، ولكنهم مضغوطون من المخالفين وهم الأقلية القليلة، والقسم الثاني كبير نوعا ما وهو الذي تصدى لهم ورد اتهاماتهم عليهم وزاد، والقسم الثالث عريض متابع جيد وقادر على الفرز ويعلم ما يجري على الساحة بل ويعلم خلفياته وما هو تحت الطاولة ولكنه كان يؤثر السكوت أخذا بالحياد، ولكنه نطق اليوم بعد أن رأى التداعيات باتت تهدد الاستقرار الوطني، فنطق مجبرا مستنكرا ما تقوم به جماعة «إلا الدستور»، وان كان ذلك في هدوء وأدب جم، والقسم الرابع وهو الأكبر الذي استنكر ما يحدث رغم أنه غير متابع، إلا أن الأحداث فرضت نفسها عليهم وهم الأغلبية الكبرى التي استفاقت على وقع السباب والشتائم والشقاق والتي لم يعتدها الشعب الكويتي الذي اعتاد الاختلاف المقرون بالاحترام مهما اتسعت شقة الخلاف.
وهؤلاء وجدوا أنفسهم يتابعون الأحداث وساعدهم في تكوين وجهة نظرهم تنوع مصادر الأخبار صوتا وصورة، وأن استمرت «إلا الدستور» في تهديدها بالذهاب إلى الشارع وان كان تصويت المجلس على الثقة لا يعني إلا البداية وأن استجوابات جديدة بالطريق فإنهم سينطقون وسيسمعون صوتهم للقاصي قبل الداني وسيكون صوتهم عاليا ومدويا، ولن يستطيع أحد أن يبرر ما يقوم به بعض قادة «إلا الدستور»، خصوصا في ظل الحقيقة الراسخة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار التي مفادها أن الدستور مصان ومحفوظ وما صعود سمو الرئيس لمنصة الاستجواب إلا احتراما لمقتضياته ووفق بنوده، وكذلك السرية كفلها الدستور إن قررت الأغلبية ذلك.
بيد أن الذي لا يحترم، بل وتجاوز الدستور وبشكل علني وواضح هو الذي خرج عن قاعة عبدالله السالم، وهو الذي داس على مقتضى المادة 50 من الدستور عندما نعت التعاون الذي قضت به تلك المادة بالتهاون والذي تجاوز على الدستور أيضا هو الذي لم يرضخ لرأي الأغلبية وقرارها وأخذ يجاهر بتمرد عليها، والذي يتجاوز على الدستور هو الذي يتهجم على الأحكام القضائية في وسائل الإعلام وهي سلطة لها استقلالية وحصانة، والذي يتجاوز على الدستور والقانون هو من أراد التصادم مع القائمين على تطبيق القانون فقام بعمل تجمع في ساحة الصفاة دون ترخيص قانوني على أمل أن يحدث ما حدث في الصليبيخات.
وهنا لابد من تسجيل الشكر والتقدير لرجال القانون عندما أمنوا الجمع رغم مخالفتهم السافرة للقانون فتداركوا الخطأ أو بالأحرى تنبهوا لما يريده البعض من قادة إلا الدستور الذين يريدون حشد الناس معهم حتى ولو كان باستفزاز بل والاعتداء على رجال الأمن ليقوموا بالرد عليهم ومن ثم يصرخون بأن الشرطة الكويتية تضرب وتسحل وكأنها شرطة لا يعرفها الكويتيون وليسوا أبناءهم وإخوانهم حتى وصفوهم بزبانية الطاغية المقبور، ولولا رحمة العليم البصير وعدسات الإعلام لصدقناهم ولنجح من يريد إنجاح مشروعه الشخصي الضيق حتى ولو كان ذلك عبر بذر بذور الفتنة والشقاق بالمجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المهم أن هذه الصورة (الصليبخات) لن تتكرر فرجال الداخلية تنبهوا لها فلا تعولوا عليها ثانية ولن تتكرر أحداثها ثانية.
وعليه فإنني أقول للعقلاء من كتلة إلا الدستور كفى بالله عليكم واتقوا الله في هذا الوطن العزيز وفي هذا الشعب المسالم وفي تاريخكم وفيمن قام بانتخابكم فجميع الطرق تم إغلاقها بالحق ووفق الدستور والناس اليوم غير الأمس والأعلام غير الأمس فما يجري بالساحة منقول ومن كل زواياه للمواطن ولا مجال لنقل صورة أو رواية مخالفة للحقيقة، والناس فتحت أعينها بعدما جرى، فالحق أحق أن يتبع ولا تنجروا لذهاب لشارع أو استجواب آخر في القريب فإن مصداقيته ستكون هابطة جدا حتى ولو انطوى على جوهر قوي فإنه سيكون مضروبا بسبب التجاوزات التي أقدم عليها البعض من قادة «إلا الدستور» وعيون القسم الرابع متيقظة وترقب.. وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
ولا يفوتني أن أتقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بأطيب وأصدق التهاني على إدارة هذا الاستجواب وفق مقتضيات الدستور وبرقي وسعة صدر وتحمله للكثير من التهجمات الرذيلة وإحرازه تجديد ثقة الشعب عبر ممثليه بكل اقتدار وفروسية.
[email protected]