مصر العرب والعروبة تواجه مستقبلا أخشى أن يكون مظلما في حال رحل الرئيس مبارك رحيلا مبكرا وسريعا كما تريد أغلبية الشباب الثائر الذين أقدر وأحترم رغبتهم وإرادتهم، فمستقبل ومصالح وأمن مصر وشعبها يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لذلك سأستعرض نذرا يسيرا من هذه المصالح على سبيل التدليل وتأكيد صحة ما أرمي إليه، دون إغفال لسوء الإدارة التي تعانيه الإدارة الحكومية التي سيرثها الرئيس القادم مهما كان وسترافقه لمدة لا تقل عن السنة على أقل تقدير.
فمصر عدد شعبها يزيد على 80 مليون نسمة ومواردها المالية محدودة نوعا ما مقارنة مع الدول المليئة، ومصر بحاجة ماسة للاستثمارات الخارجية ورغم وجود الكثير منها حاليا إلا أن حاجة مصر تتطلب ما لا يقل عن 5 أضعاف الموجود فعلا لتحقيق نقلة نوعية مهمة للقضاء أو مواجهة أكبر مشكلة تعانيها وهي البطالة التي يتفرع منها ويرتكز عليها الكثير من المشاكل الاجتماعية، وعدم الاستقرار سيحرم مصر من دخول أي استثمارات جديدة بل وسيكون حافزا فعليا لخروج الموجود منها.
كما أن مصر تعتمد بشكل أو بآخر على مساعدات عربية وأجنبية مستمرة وبمواعيد محددة ستكون عرضة للتوقف حتى يتم التعرف على الرئيس الجديد وسياساته ومستقبل الاستقرار، ناهيك عن أن مصر مرتبطة باتفاقية استردت بموجبها سيناء ورتبت عليها ضرورة استمرارية السلام، وتجني مصر من ورائها ما يقارب ملياري دولار سنويا، وعدم الاستقرار سيعرض هذه الاتفاقية للخطر خصوصا في ظل حقيقة أن إسرائيل لا تؤمن بهذه الاتفاقية وتتمنى العودة لسيناء وهي تملك القوة التي تؤهلها لذلك في أحوال عدم الاستقرار في مصر، وهذا يتجلى بوضوح من القلق التمثيلي الذي يعلنه قادة إسرائيل.
ومصر أيضا تعتمد بما يزيد على 80 % من حاجتها الفعلية على استيراد القمح وغيره من الحبوب التي يعتمد عليها الشعب في قوته والتي تدعم أسعاره الحكومة المصرية، وأسعار هذه الحبوب في ارتفاع مستمر كما هو حال مختلف المواد الغذائية الأخرى وأي اهتزاز للاستقرار سيؤدي بالضرورة لانحسار التدفقات المالية، مما سيعرض الشعب المسكين الذي يمثل القطاع الاعرض من قطاعات الشعب المصري لخطر داهم لا أحتمل مجرد التفكير فيه في ضوء صور ثورة الخبز التي شبت نيرانها بمجرد أن رفعت حكومة الرئيس الراحل السادات بعض الدعم عن الأسعار فتراجعت خلال يومين فقط، فكيف سيكون الحال عندما تعجز الحكومة عن توفير الدعم عن الخبز كليا أو جزئيا لا قدر الله؟
كل هذا وغيره الكثير هو الأقرب للحدوث في حال سقوط النظام لا قدر الله أو حتى في حال رحيل الرئيس مبارك رحيلا مبكر أو في حال سقوط مصر في حال الفوضى، يسعى المتربصون بجد واجتهاد لإسقاطها فيها، ويأتي في مقدمتهم الإخوان المسلمون الذين باتوا محور ارتكاز التشنج والداعين له، وللأسف الشديد يسير البعض وراءهم بحسن نية وهم يسعون لإسقاط مصر في حالة الفوضى ويأتي هذا النهج من الإخوان ليس اعتباطيا وإنما بقصد ووعي فهم الجماعة الوحيدة التي تملك الإمكانيات المادية والتنظيمية والكوادر البشرية والانتشار على الأرض المصرية التي تمكنها من الانقضاض على السلطة والاستيلاء عليها أن وقعت مصر بالفوضى، وهذا أسوء السيناريوهات وأكثرها قتامة.
على كل حال نقول ان مصر تغيرت وبالتأكيد للأفضل منذ 25 يناير ولن تعود لما قبله فليطمئن شباب الثورة فقد حققوا ما لم يحققه أحد منذ ثورة يوليو 52 والرئيس مبارك قدم كل التنازلات الممكنة وكل ما هو مطلوب منه وهو الضامن لتحقيق كل ما يريده هذا الشباب المجاهد المخلص لوطنه وشعبه، من ديموقراطية وحرية وإدارة رشيدة قادرة على تحقيق العدالة وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع أبناء مصر، تمهيدا لإحداث النقلة النوعية لمصر على كل الأصعدة، وهذا ما أجزم بأنه المطلب الحقيقي لهذا الشباب وكل مصري شريف بيد أن الأمر يحتاج بعض الوقت وصبر ليتحقق لذلك نقول كفى تشنجا وإضاعة للوقت الذي كلما طال سيطيل نزيف مصر، ولا تهدروا بالاستعجال ورفع سقف المطالب فرصة مصر في التقدم والتغيير المنظم فليس بطرد الرئيس واهانته فائدة لقضيتكم وما تريدونه هو العنب والخير لمصر وليس الانتقام هو مطلبكم ناهيك عن كونه لن يأتي بشيء لمصر، فما لا يدرك كله لا يترك جله. واسمحوا لي أن أقتبس مما قاله الزعيم المصري الراحل مصطفى النحاس باشا رحمه الله: لقد خرجتم من أجل مصر وعودوا اليوم أيضا من أجل مصر التي أجزم بأنكم تفدونها بأرواحكم.
وفي الختام أضرع للعزيز الحكيم أن يخرج مصر وأهلها من هذه المحنة بخير وسلام وتنتقل لمرحلة كلها خير وتقدم وازدهار. اللهم آمين.
[email protected]