قامت ثورة 23 يوليو في العام 1952، تلك الثورة التي أرْدت الديموقراطية وتداول السلطة السلمي وحرية الرأي والكلمة صرعى دون حراك لعقود من الزمن في مصر، وبما أن مصر قلب الشرق الأوسط النابض فقد صارت هذه الثورة عنوانا ومصدر إلهام لمعظم شعوب الشرق الأوسط آنذاك، فخلال بضع سنوات انتشرت الثورات بالشرق يمنة ويسرة، بل انتشرت انتشار النار بالهشيم في العراق والسودان وليبيا وسورية حتى وصلت إلى إيران وغيرها من البلاد، كل هذا خلال عقدين ونيف من الزمن، حتى قتلت الديموقراطية وغابت عن تلك الشعوب وما عادت تفكر فيها خوفا من النظام، ومثلما أطاحت ثورة يوليو في مصر بالديموقراطية وأتت بالدكتاتورية، فإن الثورات التي قامت على اثرها أطاحت بالديموقراطيات التي كانت قائمة، منها ما كان موجودا في ليبيا والعراق وإيران فذهبت ديموقراطيات هذه الشعوب وحلت محلها دكتاتوريات صعبة المراس وأحيانا متوحشة، فذلت شعوبها بعدما كانت عزيزة وتخلفت رغم ما حباها الله من نعم ليس أهمها النفط الذي تكدس فيها.. واليوم نشهد حالة تسير بالاتجاه المعاكس لما كان بعد يوليو 1952، فاليوم تسقط الدكتاتورية في مصر ولكنها وإن سقطت بعدما أسقطت في العراق بفضل الله ثم القوة العسكرية الأميركية، بيد أنها في مصر سقطت بفضل شباب مصر، وها نحن نرى الدكتاتورية في ليبيا وإيران تترنح تحت وطأة الضربات الشديدة والمتلاحقة من الشعب الليبي في ليبيا رغم النظام البوليسي والقمع بل والقصف.. وكذلك هو الحال بالنسبة للشعوب الإيرانية على اختلاف أعراقها ودياناتها، فهل يكون عام 2011 عام سقوط الدكتاتوريات بالشرق الأوسط وعودة شعوبه لصدر الديموقراطية الحاني؟
أعتقد أن الوضع سيكون كذلك خصوصا في حال استقرت الأحوال في مصر وبدأ شعبها يعتاد استنشاق نسائم الديموقراطية وأنجز المصريون التحول لها بشكل قانوني ودستوري، وفي هذه الحالة فإنني أجزم بأن الديموقراطية ستعود أولا وبسرعة مذهلة للشعوب التي كانت تتمتع بها قبل أن تغزوهم جحافل الدكتاتورية ومن ثم وخلال أعوام قليلة ستنتشر الديموقراطية بالشرق الأوسط ليرتفع شأن شعوبها بعد أن تدنى إلى الحضيض في أحيان كثيرة، هذا بخلاف الفساد والظلم والقهر الذي حاصرهم لعقود من الزمن، فهل تنجز ثورة مصر استحقاقات التحول الديموقراطي لتفتح الأبواب لانتشار الديموقراطية بالشرق الأوسط من جديد؟ هذا ما أتمناه مخلصا وأرجو وأضرع للعزيز القدير أن ينجزه سبحانه وتعالى.
[email protected]