يعتقد بعض المثقفين وقادة الرأي وبعض نواب المعارضة أن أسباب الثورات في تونس ومصر وغيرها من بلاد العرب ترجع لمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت وعلى رأسها وفي مقدمتها تويتر والفيس بوك، ولا أدري ما هذا الربط غير المبرر والذي لا يقوم على أساس واقعي، فهذه الأدوات موجودة في أميركا وأوروبا الغربية وغيرها من بلاد الغرب فهل نتوقع أن تقوم ثورة شعبية في تلك الدول؟ بطبيعة الحال لا.. ومحال.
فالثورات الشعبية وقودها ونيرانها هو اتحاد الفقر والظلم بمعظم مكوناتهما، فإن اتحد هذان العنصران الجباران لدى شعب أيا كان فإن الثورة الشعبية ستقوم وإن لم تقم حتى الآن فإن أحدا لن يستغرب قيامها في أي لحظة، فالشعوب التي تعيش تحت وطأة اتحاد الفقر والظلم هم بالتأكيد يعيشون تحت وطأة الخوف والرعب من النظام الذي يحكمهم وثورتهم تحتاج فقط شرارة شجاعة ولا فرق بين الشعوب سواء كانت أوروبية أو عربية. ثورة رومانيا على ديكتاتورها شاوشيسكو سنة 89 كانت بسبب ممارسة قس بعض الانتقاد للنظام، وعندما هم الأمن باعتقاله شكل الشعب طوقا بشريا حول مسكنه، فانكسر حاجز الخوف لدى الجماهير وقامت الثورة الشعبية العامة وسقط الديكتاتور (آنذاك لم يكن لديهم تويتر وفيس بوك)، ومثله حدث بتونس عندما قام البوعزيزي بحرق نفسه في ميدان عام، فهز الشعب وشجعه على التصريح بما يجيش في قلبه وعقله فثار، وكذلك هو الحال في مصر عندما شاهد الشعب العربي القريب منه يحقق تحرره من الخوف وإرهاب الدولة البوليسية يتحرر خلال أسابيع، فتشجع وقد يكون الانترنت عاملا مساعدا بعض الشيء في توصيل الأخبار والفيديوهات ولكن أن يكون أساس الثورات فلا كبيرة وألف لا، فتحقق التحرر من الخوف فانطلق المارد «الذي أخشى أن ينطلق من جديد قريبا في مصر على شكل ثورة جياع لا سمح الله»، أما اليمن فثلثا الشعب هناك أمي ولا توجد لديه كهرباء فكيف يكون للانترنت دخل في هذه الثورة؟ وواقع الأمر وحقيقته أن الثورات الشعبية من الصعب أن تقوم بل هي ضرب من المحال، ولكن ما يثيرها وبشكل حصري هو اتحاد الفقر والظلم، والثورة الشعبية لا يستطيع الشعب والوطن الخروج من أذاها إلا بعد زمن يحدد مداه حكمة وقوة النظام الجديد، لذلك فإنني أدعو الأنظمة وقادتها إلى تفكيك عناصر الفقر من خلال التوسيع على الشعوب وتوفير فرص العمل وما شابهه، وتفكيك عناصر الظلم من قمع الحرية وتوسيع قواعد المشاركة بالرقابة وصنع القرار، وبذلك تفكك أي أسباب لثورة شعبية.
أما عندنا في هذا الوطن فإن من يفكر بقيام ثورة أو إشعال ثورة شعبية فإنه بالفعل مسكين لم يقرأ حقيقة أمر الثورة الشعبية ولا يعرف أسبابها فهنا حرية وديموقراطية ورخاء وسعة عيش وعلى مستوى الكماليات وليس الأساسيات وحسب، والألسن تلهج حمدا وشكرا للمنعم المعز جل وعلا.
[email protected]