باسل الجاسر
الحادثة الأليمة التي وقعت في ضاحية عبدالله المبارك وراح ضحيتها طفلان وامرأتان قبل ايام جراء تخزين مواد خطرة في منزل (سكن خاص) شغلت الكثيرين وخصوصا في مجلس الأمة للبحث عن مسؤول لكي يحملوه المسؤولية ويجعلوه كبش فداء ليبرئوا ذمتهم أمام الله وأمام مواطنيهم، جاء ذلك على شكل ردة فعل قوية ليعالجوا الموضوع بهذه الصورة وعلى هذه الشاكلة، ليضيفوا بذلك للمأساة مأساة أخرى من خلال معالجة أمور ومشاكل مجتمعنا بهذه الصورة المتخلفة المبنية على ردات الفعل العاطفية، وأحيانا ركوب الموجة لتحقيق مكاسب أو إنجاز انتقامات سياسية! وبعد ذلك تترك الأمور على حالها ونبقى «وطنا ومجتمعا على طمام المرحوم».
وواقع الأمر ان هذه الحادثة جاءت كنتيجة حتمية لانهيار سيادة القانون، بالإضافة الى التشخيص الخاطئ الذي وقعت فيه الطبيبة المعالجة وهذا خطأ بشري وارد حدوثه في اي مكان وأي زمان، ويبقى انهيار سيادة القانون السبب الرئيسي فيما يحدث، حيث ان مناطق السكن الخاص محظور استخدامها إلا للسكن، بيد اننا نرى فيها محلات تجارية منها المرخص ومنها غير المرخص، ويستعمل الكثير من البيوت كمخازن غير مرخص جميعها، ونشاهد ايضا الخيام وشبرات تستخدم دواوين، وأحيانا تؤجر وهي ايضا غير مرخص لجميعها، أو نشاهد ايضا في مناطق السكن الخاص بيوتا مؤجرة بالكامل لقنصليات وجمعيات نفع عام ومراكز للدعوة السياسية وكلها لها مراجعون يزعجون الجيران، كل ذلك بالرغم من ان القانون والأنظمة ولوائح البلدية تمنع ذلك بوضوح وصراحة ومع ذلك لا يستطيع منصف ان يحمل المسؤولية للبلدية لأنها ببساطة إن تحركت فستثير غضب الكثيرين، وسيتحركون لوقف أي محاولة لتطبيق القانون بل إن من يجرؤ على تطبيق القانون رغم نفاذه وصيرورته فقد يتعرض للعقاب والمساءلة.
وفي ظل هذا الواقع المرير هل يستطيع منصف أن يحمل البلدية اي مسؤولية؟ اما وزارة الصحة فلا أدري عن أنظمتها او لوائحها فيما يتعلق باستيراد وتداول ونقل المواد الكيماوية، وكذلك هو الحال بالنسبة للهيئة العامة للبيئة، ومع ذلك أستطيع أن أجزم بأن الجهتين يفتقران لنظام شامل ومتكامل لتحديد وتصنيف المواد الكيماوية والغازات السامة والخطرة وما هو مسموح بدخوله للبلاد، وما هو ممنوع، وكيفية تداولها ونقلها واشتراطات الأمن والسلامة، وإن وجدت لائحة او نظام فمن السهل اختراقه بالواسطة او الاستثناء، وكذلك لن نستطيع تحميل رب المنزل المسؤولية لأنه قام بتأجير سرداب بيته كمخزن او لأنه لم يتأكد من خطورة المواد التي تخزن في بيته، فهو مواطن بنى بيته «بالتي واللتية»، وأجزم بأنه مديون ويجد معظم أقرانه يفعلون ما يفعل ولم يجد ما يمنع، كما ان الشركة التي تداولت وخزنت هذه المواد لم تقم بتهريب او سرقة هذه المواد التي تتاجر بها منذ زمن ليست مسؤولة على اعتبار انها تعمل في النور وأكيد لديها ترخيص تجاري، إذن على من تقع مسؤولية ما حدث؟ ومن يتحمل مسؤولية الأرواح التي أزهقت دون ذنب أو جريرة؟ وحقيقة الأمر اننا جميعا نتحمل المسؤولية كحكومة وبرلمان وشعب (بمن فيهم كاتب هذه السطور) نتحمل المسؤولية المعنوية لأننا سمحنا بشكل او بآخر بانهيار سيادة القانون وساهمنا اما بالفعل او بالسكوت على أفعال تحط من هيبة وسيادة القانون، فصار القانون في احيان كثيرة حبرا على ورق اي صار «طوفة هبيطة» من السهل تعديها وتجاوزها، فأسأنا للقانون وأسأنا لسيادة القانون، وفي حقيقة الأمر كنا نسئ لأنفسنا كوطن وكمجتمع، لأن هذا القانون هو قانون هذا الوطن وقانون هذا المجتمع، ومن يسئ لقانونهما فهو بالضرورة يسيء لهما، وانهيار سيادة القانون يؤدي بالضرورة الى الفوضى المنظمة، وهي الحالة التي نعيشها الآن، ولعل حادثة عبدالله المبارك خير شاهد عليها أربع أرواح تزهق ولا يوجد أحد يتحمل المسؤولية بسبب ضياع «الطاسة» وإن استمرأنا الأمر وتواصل امتهاننا لسيادة القانون فإننا سنصل لمرحلة الفوضى الحقيقية، الفوضى المنضبطة التي لن تبقي ولن تذر، أعاذنا الباري عز وجل وإياكم وطنا ومجتمعا من الوصول اليها.
تصحيح
ورد بالمقال المنشور بتاريخ 26/12/2007 تحت عنوان «حماس ومأساة فلسطين (3/3) خطآن لغويان أديا لتحريف وهما:
بالسطر 16 من الأسفل الى الأعلى (فإننا خطأ والصحيح هو فإنها)
بالسطر السابع من الأسفل ايضا (الاخوان خطأ والصحيح الخوان)
لذا اقتضى التنويه.