باسل الجاسر
الاستياء الشعبي الكبير الذي يلمسه القاصي قبل الداني من أداء مجلس الامة هو في الواقع استياء متكرر كثيرا، فهذا الاستياء ذاته شاهدناه بعد انتخابات 2003 وشاهدناه أيضا بعد انتخابات 99 وان استمر حالنا على ما هو عليه فاننا سنشاهده حتما بعد الانتخابات المقبلة، هذا الاستياء الذي تشاهده أينما ذهبت او حللت في ديوانية او في صالات الانتظار بالمستشفى أو بالمستوصف او حتى في المقهى، وان كنت لست من رواد هذه الأماكن فيكفي ان تفتح اي جريدة لترى الاستياء الواضح من اداء مجلس الأمة، تشاهده لدى كتاب الزوايا وفي اخبار الصحافيين القائمين على الجريدة وتشاهده بالكاريكاتير وفي معظم اجزاء الجريدة اي جريدة، بيد ان الغريب هو هذه الدعوات الغريبة العجيبة لحل مجلس الامة حل غير دستوري! وكأن مسبب هذا الاستياء هو الديموقراطية!
وحقيقة الامر أن أعضاء مجلس الأمة ما أتوا للمجلس بإرادتهم أو بمزاجهم وانما أتوا بارادة الشعب الكويتي الذي ترك أعماله وفرغ من اشغاله واصطف في طوابير طويلة في عز الصيف ليدلوا بأصواتهم التي تأتي بممثليهم في مجلس الأمة الذين لا يتغيرون في الغالب الأعم وان حدث تغير طفيف فإنه محصور بين نائب ونائب سابق أو ان الحزب أو الطائفة أو القبيلة قامت بتغيير ممثلها، المهم أن هذه الجموع يأتي من ضمنها جميع شرائح المجتمع، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال الاخوة الصحافيون بحكم مهنتهم ليدلوا ايضا بأصواتهم والذين عندما تنتهي الانتخابات وتمر أربعة او خمسة أشهر يتعالى استياؤهم ومعهم أغلب المواطنين! لماذا هذا الاستياء ألم تأتوا أنتم بهم؟ ألم يكن اختياركم بحرية مطلقة؟ ولماذا تحملون أخطاءكم للديموقراطية التي تقود الدول والمجتمعات للتقدم والتطور والنمو السريع وتجعلهم بالقمة دائما؟ ولا أستطيع في هذا المقام أن أقول «خبزا خبزتيه يا الرفلة اكليه» لان أكل هذا الخبز ليس مقصورا على من خبزه وحسب «أي الذين شاركوا بقوة وفاعلية في الانتخابات» بل هذا الخبز السيئ سيكون أول آكليه الوطن حاضرا ومستقبلا.
وفي الواقع انني اشاطر الجميع الاستياء من أداء مجلس الامة وقد أكون الاكثر استياء ولكن يجب ان نقر ان هؤلاء النواب لم يأتوا من القمر ولم يقم أحد بفرضهم علينا بل نحن من أتى بهم ووضعهم ممثلين عنا في مواجهة الحكومة مشرعين ومراقبين فلو كان اختيارنا جيدا يرعى الله في هذا الوطن وفي أنفسنا ومستقبل وطننا وأطفالنا، لما أدى اختيارنا لمثل هذه المجالس المتعاقبة منذ التحرير والتي وضعتنا في مؤخرة الركب الخليجي بعد أن كنا في مقدمته بالرغم من أننا نملك مثل ما يملكون ونزيد عليهم بالديموقراطية، بل إن شركاتنا ومؤسساتنا الوطنية هي شريكة اساسية في نهضة جوارنا الخليجي الا انها محرومة من العمل بحرية ولا نقول أريحية هي مستحقة لها! اذن اين العيب والخطأ هل في الديموقراطية أم في اختيارنا لممثلين لا يدركون اين يجلسون في سفينة قيادة الوطني؟ فهل يعقل ان يقوم كويتي فازعا متحمسا لانتخاب عضو في مجلس الامة الكويتي هو ممثل لحركة أيديولوجية قيادتها موجودة خارج حدود الوطن؟ وهل يعقل يا أكارم أن ننتخب ونعيد انتخاب نائب منذ سنة 92 بعد ان فشل هو وفريقه المكلف بالإصلاح الاداري ونعيد انتخابه لخمس دورات متتابعة الى ان أوصلنا هو وأمثاله الى الدرك الأسفل بالتخلف والتردي؟ ولعل أبرز علامة لهذا التردي هو التهديد بقطع الكهرباء والماء في الصيف الماضي!
لا يا سادة يا كرام، العيب فينا بامتياز وليس في الديموقراطية، العيب في اختيارنا المنغمس بعدم الوعي السياسي حتى الأنف والاذنين، فهذا الاختيار المبني على فزعات ومعاملات ورشى، لن يؤدي بكل تأكيد الى اصلاح ولا الى تقدم لأنه ببساطة لا يؤدي الا الى المزيد من الفساد والافساد والتخلف فقط لا غير، لذلك أقول بصدق وألم وحسرة لا يتوقع احد ان يأتي اصلاح من هذا المجلس ولا من المجلس المقبل او الذي يليه، وتوقعوه بل اعلموا أن الاصلاح والازدهار والعودة لمقدمة الركب الخليجي مقبلة بشكل مؤكد عندما ينتخب أهل الكويت على أساس برنامج او رؤى انتخابية واضحة يتعهد المرشح بتحقيقها خلال السنوات الاربع ويتم تقييم ادائه على ضوء ما تحقق منها على أرض الواقع، فإن حققها كلها او اكثرها تم التجديد له، وان اخفق عزل وأجلس في بيته، وتم الاتيان بغيره بهذه الطريقة فقط أؤكد ان الاصلاح سيأتي لا محالة، فالاصلاح يا سادتي لا يأتي بدعوة مهما بلغت في الاناقة والجمال ولا بالبكاء والصراخ، بل نحن كمواطنين نستطيع أن نأتي به بإرادتنا ووعينا وفزعتنا لوطننا، وعليها فإنني أقول ان الكويت حاضرا ومستقبلا في انتظار هذه الفزعة بالانتخابات المقبلة سواء كانت في موعدها أو جاءت مبكرة.
اذن الحل لجميع مشاكلنا هو بالوعي وتوعية جمهور الناخبين بكيفية الانتخابات واعباء هذه التوعية تقع على كاهل جميع أبناء الوطن يجب ان يحملوها ويقوموا بها متضامنين ولكنها تقع أول ما تقع على كاهل الاعلام ورجاله خصوصا بعدما صار يملك الكثير من الحرية والاستقلالية، تخوله عمل الكثير في هذا المضمار، وقد كنت ألفت كتابا مطلع سنة 2006 تحت عنوان «لمن تدلي بصوتك» هدفه الاساسي والاوحد توعية جمهور الناخبين، لا أدعي انني ملكت الحقيقة وأودعتها فيه وانما اقول انه مرشد طيب لمن يريد توعية جمهور الناخبين أهديه من خلال زاويتي هذه لكل مخلص لهذا الوطن ويؤلمه الحال التي وصل إليها ويريد فعل شيء لمساعدته.