باسل الجاسر
ينشط الحديث في وطننا بين الحين والآخر عن الاحزاب وضرورة وجودها كمتطلب ومكمل اساسي لا بد منه للعملية الديموقراطية لتكون ديموقراطيتنا منتجة لحكومة قوية تملك برنامج عمل واضحا يدعمه جمهور الناخبين وتستطيع مجابهة مجلس الامة.
وحقيقة الامر ان هذا الحديث صحيح 100% نظريا، وهو امر لا محالة من قدومه في المستقبل، بيد انه عمليا يحتاج الى امعان النظر والتدقيق وتحري مصلحة الكويت واهلها وقياس مدى وعي جمهور الناخبين من عدمه، ويتطلب الامر كذلك تحديد اي الاحزاب نريد لتتمشى مع تركيبة مجتمعنا وتكرس وحدته الوطنية وتزيد لحمته وانصهار مكوناته او على الاقل تذويب الفوارق بما يجمع اطياف المجتمع ولا يفرقها، وعليه فإن اي حديث عن الاحزاب او المطالبة باشهارها دون الاجابة على مثل هذه التساؤلات يعتبر حديثا من اجل الحديث وسفسطة لا قيمة لها ولا معنى ولن ينتج شيئا مفيدا لهذا الوطن العزيز او لشعبه الكريم والامتناع عنه افضل وأجدى.
فالاحزاب بالكويت موجودة فعلا منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي (على اقل تقدير)، فما الذي ستفعله هذه الاحزاب في حال اشهرت بقوة القانون؟ هل ستصبح لديها برامج تنموية قابلة للتطبيق؟ او هل سيستطيع احدها ان يحقق اغلبية النصف زائد واحد من عدد اعضاء مجلس الامة تمكنه من تشكيل حكومة قوية تستند الى اغلبية برلمانية تجنبها طرح الثقة والابتزاز والتمحك السياسي الذي تمارسه الاغلبية في مواجهة الحكومات المتعاقبة؟ ام ستشكل الحكومة من مجموعة احزاب لا تقل عن اربعة، وبمساندة من مجموعة نواب مستقلين لتصبح عندها وزاراتنا ملكية خاصة لحزب الوزير واتباع الحزب لتصير الوزارة مزرعة خاصة؟ ثم، وهذا هو الاهم، ما هي الاحزاب الموجودة على ساحة العمل السياسي منذ مطلع الثمانينيات؟ هل هي احزاب ذات مرجعيات كويتية ام انها احزاب كويتية بوكالات آتية من خارج حدود الوطن؟
بل ليتها احزاب ديموقراطية اي احزاب يرسم اولوياتها ويختار ممثليها في الانتخابات (اي انتخابات) قواعدها الشعبية كما هو حادث مثلا الآن في اميركا في اختيار ممثلي الحزبين الرئيسيين للانتخابات الرئاسية هناك، وهل لدينا احزاب ديموقراطيه فعلا؟ يؤسفني يا سادة ان اقول وبمرارة لا وكلا والف كلا، نعم لدينا احزاب تصرخ بالصوت العالي عندما تهدد الديموقراطية ليس من منطلق ديموقراطي وانما من منطلق الدفاع عن المصالح والمنافع التي تجلبها الديموقراطية لاكثرهم! لذلك كانت مراوحة ديموقراطيتنا في مكانها واخرتنا ولم تدفعنا للامام كما هو فعلها عند الشعوب المتقدمة، لذلك لا نجد افكارا وتوجهات سياسية جديدة او متجددة اللهم الا فيما ندر في الآونة الاخيرة فقط ككتلة العمل الشعبي والكتلة الاسلامية الجديدة، والكتلتان ليس لديهما برنامج وانما لديهما اتفاق على قضايا رئيسية، لكن دون ادنى شك تمثلان انطلاقة جيدة للتمهيد لولادة افكار نيرة بالمستقبل الا ان قدومهما كان متأخرا كثيرا، ومع ذلك فهما الامل الذي يكاد ان يكون الامل الوحيد في توعية جمهور الناخبين، ولعل ما حدث في استجواب وزيرة التربية حول استخدام الاسلامية الجديدة الفتوى الشرعية في مواجهة تجار الفتوى الشرعية خير شاهد على توعية جمهور الناخبين، اما هذه الاحزاب الهرمة فقد تحالفت مع الحكومة عن قصد او من دونه على المحافظة وتحديد اطار لا يتجاوزه وعي جمهور الناخبين بشكل عام، وفي الممارسات الخاصة فإنها ما زادت جمهور الناخبين على مدى العقود السابقة الا تضليلا على ضلال وجعلته يكفر عنوة بمسألة الاصلاح وتقديم مصلحة المجموع على المصلحة الخاصة بسبب كثرة الوعود وقلة الانجاز او انعدامه.
وتبقى الاجابة على سؤال مهم وهو اي الاحزاب نريد؟ وهذا ما سنجيب عليه غدا بمشيئة العزيز القدير.