باسل الجاسر
في سباق الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية الجاري الآن في أميركا بين السيناتور باراك أوباما والسيناتور هيلاري كلينتون، يشتد الحماس وأثناء الحملات أو بالأحرى في أحد الاجتماعات الانتخابية في إحدى الولايات التي يشكل السود الأغلبية فيها - وعذرا قارئي فإن اسم الولاية لا يحضرني الآن - قال الرئيس السابق بيل كلينتون للناخبين الحاضرين في ذلك الاجتماع الذي كان فيه مُروّجا وداعما لزوجته: إن أوباما سيفوز في هذه الولاية بسبب لونه لا كفاءته.
هذه العبارة اهتز لها الحزب الديموقراطي فأصدرت القيادات العليا بالحزب بيان توبيخ شديد اللهجة للرئيس السابق بيل كلينتون يحذره فيه من الخوض في الأمور العرقية، كانت هذه الغضبة الأولى، أما الثانية فكانت عندما قام جمهور الناخبين بتحويل رجحان الكفة بعدما كانت لصالح هيلاري حتى تلك الولاية لصالح أوباما! حدث هذا بالأمس القريب في أميركا التي لا شيء فيها مقدسا أكثر من الحرية فحرية التعبير فعلا حرية، فمن حق المواطن أن يعبر عن رأيه بأي كلمة أو تعبير، فقد شاهدت تقريرا عن دكان في نيويورك لبيع الهدايا التذكارية التي كان منها - أعز الله القارئ - محارم رول المرحاض وقد طبع عليها صورة الرئيس الأميركي الحالي! وغيرها الكثير، المهم وما أريد إيصاله هنا أن حرية التعبير هي أقدس المقدسات مادامت في حدود التعبير ومع ذلك ورغما عنه انزعج المجتمع الأميركي بكل فئاته وأعراقه من عبارة ازدرى فيها رئيس أميركي سابق بشكل أو بآخر لون أوباما.
وفي هذه الواقعة لم يتداع السود وهم جمهور كبير للهجوم على الأبيض وطائفته بسبب ابن عرقهم، وبالمقابل لم ينبر البيض من أبناء الطائفة ذات الأصول الايرلندية التي ينتمي إليها كلينتون للدفاع عن ابنها كلينتون وإنما سكت الجميع وتركوا الأمر لجهات الاختصاص لتفصل في الموضوع وتنهيه بعيدا عن الفتن وبث روح الفرقة والبغضاء، فمر الموضوع مرور الكرام وانتهى دون تداعيات يعود ضررها على المجتمع أو الوطن، فأثبت الأميركيون وطنيتهم وحبهم لوطنهم بصورة راقية تنم عن التحضر الذي بلغه المجتمع الأميركي الذي تمكن في زمن قياسي في عمر الشعوب أن يصبح القوة العظمى في العالم.
عرضت هذه الحكاية لنستخلص منها العبر وكيف تكون الوطنية وحب الوطن الذي لا يتأتى من خلال الكلام والخطب، وإنما يأتي عبر التسامح وترك أمور الخلاف لجهات الاختصاص للفصل فيها، فلا يجوز أن يأخذ أحد، كائنا من كان، حقه بيده وإنما هذه مهمة القضاء وهو الوحيد المختص بالفصل في الخلافات والنزاعات، والوطنية وحب الوطن يتأتىان عبر حب وود المواطن لإخوانه بالوطن وإن حاد أحد عن جادة الصواب فلا يجوز أن نجلده ونجلد الطائفة التي ينتمي إليها وإنما يجب أن نترك الأمر لجهة الاختصاص تحاسبه وتقاضيه فإن وجدته مذنبا جلدته وإن وجدته بريئا تركته.
هكذا نكون مجتمعا متحضرا لا تقوده جماعة متطرفة من هنا أو هناك لتدق على أوتار النعرات والفتنة وبث البغضاء بين أفراد المجتمع والوطن الواحد، بل يجب على من يحب وطنه أن يحب إخوانه في الله والوطن على اختلاف انتماءاتهم، فهكذا تكون الوطنية وحب الوطن، فهل من مدكر.
وحفظ الله الكويت وصان وحدتها ووحدة أبنائها على اختلاف أعراقهم وطوائفهم وأعراقهم، اللهم آمين آمين!