باسل الجاسر
لا شك في أن العمل الديموقراطي مركب على التكسب الشعبي ومغازلة الشارع باستمرار، وكل عمل يقوم به المنتخب من الشعب سواء على المستوى الخاص أو العام دائما ما تكون عينه على الشارع، وهذه أمور مشروعة في العمل السياسي عندما تسود الديموقراطية، لذلك نجد المرشح لأي انتخابات سواء كان للبرلمان أو للبلدي أو الجمعيات التعاونية يتقدم للناخبين بورقة عمل أو برنامج أو رؤية يغازل فيها الناخبين ويحفزهم حتى ينتخبوه.
إلا أنني استغربت أن يقوم نواب في مجلس الأمة بانتقاد زملائهم النواب الذين كانوا يطالبون بإسقاط القروض الاستهلاكية عن المواطنين عندما أطلقوا عليهم وصف الشعوبيين وأنهم يريدون التكسب الشعبي، وما شابه من نعوت! ولا أدري ماذا يفعل نائب انتخبه الناس لتمثيلهم إلا العمل على استرضائهم والتقرب إليهم من خلال اقتراح ما يريدون وما يتمنون، والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم ومصالحهم، فهذه طبيعة العمل النيابي، ولا يعقل أن يقوم الناس بانتخاب ممثل لهم «ليتكشخ» عليهم أو يهاجم حقوقهم أو مصالحهم، وإن حدث مثل هذا فحق للناخبين أن يبنوا لهذا الممثل المقصلة السياسية التي تنهي حياته السياسية من خلال صناديق الانتخاب.
ومع ذلك فإن هناك تكسبا شعبيا محمودا أو مسموحا به، وهناك أيضا تكسب شعبي مكروه وقبيح بل محرم، فالأول هو ما أشرت إليه فيما تقدم، أما الثاني فهو ما أريد الحديث عنه، فالتكسب الشعبي المكروه والقبيح والذي يجب أن ينبذه أي مجتمع متحضر هو المتمثل في العزف على أوتار العنصرية والخلاف الطائفي أو العرقي التي تبث روح الفرقة والبغضاء والكراهية بين أبناء المجتمع والوطن الواحد، ويزداد الأمر قباحة وكراهة عندما يكون بغرض تحقيق مكاسب شعبية، تحقيقا لمبدأ فرق تسد فيتفرق المجتمع إلى طوائف وفرق فيكون المجتمع الخاسر الأكبر.
وهذا ما أخشى أن يكون حدث في الفترة التي أعقبت التأبين المشؤوم الذي نفخ فيه وضخم حتى أحدث شروخا في جدار الوحدة الوطنية جراء تلك الإشاعات والأحاديث التي أرادت أن تسحب تبعات التأبين على طائفة بكاملها بالرغم من أن الكثيرين، بل الأغلبية من هذه الطائفة أعلنوا رفضهم للتأبين إلا أن هذا لم يشفع لهذه الطائفة عند البعض من المتطرفين ومن أصحاب الأجندات المشبوهة، ولكن الحمد لله ذي الفضل والمنة، أن حرك الحكماء في هذا الوطن العزيز في الوقت المناسب وجعلهم يتصدون لذلك المد العارم الذي وجدنا في أجوائه من يريد أن يجلد ويعاقب ويخوّن دون سند من قانون أو سلطة تخول أو حتى من منطق سوي يساند..! مما كاد يعصف بوحدتنا الوطنية التي تأسست منذ قرون على المحبة والإخوة والتواد والتراحم، وحدة ارتكزت على امتزاج الدم في الدفاع عن هذا الوطن، امتزاج دماء آبائنا وأجدادنا في الدفاع عن الوطن في معركتي الرقة والجهراء، وأخيرا ولن يكون آخر المطاف أثناء الاحتلال الصدامي البغيض، فصمد الوطن بهذه الوحدة وسيستمر وجوده بمشيئة الباري وبتحاب وتواد أبنائه إن شا الله.
لذلك فإنني أدعو الجميع للدفاع عن وحدتنا الوطنية ونبذ كل من يريد العزف على أوتار الخلاف الطائفي، فالدين لله عز وجل، ولكن الوطن للجميع، أي لجميع أبنائه على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم وأعراقهم.
وعاشت الكويت وعاش شعبها الأبي بكل طوائفه وأعراقه وأدام الله المحبة والاخوة ووطدهما بقدرته وسلطانه تبارك وتعالى سبحانه، اللهم آمين إنه على الإجابة قدير.