باسل الجاسر
كل يوم تطالعنا وستطالعنا الممارسات في البلاد التي توجد بها ديموقراطية حقة وشعب يمارسها بوعي لو كنا متابعين جيدين بمآثر للعدالة والمساواة وأمانة الكلمة والمنصب الشعبي وضمان حقوق الإنسان والآخرين والأقليات إلـــــخ... ولكن بما أننا متابعون لما يجري عندنا وما حولنا من خلال الصحف ووسائل الإعلام العربية فإننا لن نستطيع أن نرصد إلا الأحداث الكبيرة التي تجبر القائمين على وسائل الإعلام عندنا على نشرها ومن آخر الممارسات كانت حكاية حاكم ولاية نيويورك الذي لمواطنيه أي أهالي وشعب نيويورك عن اعتذاره وأسفه لهم ولأسرته عندما قام بالاتصال بمكتب دعارة لحجز موعد فقط والأمر مرشح لأن يتطور إلى الاستقالة من منصبه كحاكم للولاية بسبب هذه الحادثة البسيطة، التي تتلخص وقائعها في أن الشرطة هناك قامت بإجراء تحريات وتحقيقات للقبض على شبكة دعارة تعمل في نيويورك وباريس ولندن وأثناء مراقبة هواتف الشبكة تبين أن الحاكم اتصل بالشبكة أكثر من مرة لحجز موعد فتسرب الخبر للصحافة التي لم تتردد في إعلان الخبر وبالرغم من أن الاتصال ليس فعلا مجرما بالقانون الأميركي إلا أن الحاكم خرج للعلن في مؤتمر صحافي خاص للواقعة ليعلن أسفه وندمه واعتذاره لأسرته وللناس الذين آمنوا بالقيم التي وعد بتطبيقها أثناء الانتخابات.
كل هذا حدث بسبب اتصال ولم يشفع له منصبه الرفيع كحاكم للولاية ولم ينبر حزبه الديموقراطي للدفاع عنه ولم يمنع الشرطة أي شيء لأداء واجبها.
وهذه الحادثة كالحوادث الأخرى التي تنتشر المجتمعات الديموقراطية حوادث عادية إلا أننا عندما نمعن النظر فيها نجد في العدالة اللا متناهية بل وروح العدالة الكامنة وأمانة الوعد الانتخابي وأمانة الموقف، فليس أحد أكبر من القانون ولا أحد بعيد عن المساءلة عندما يخطئ أو يخلف وعدا أطلقه، بل إن المناصب العليا هي أقرب للمساءلة فقادة المجتمع يجب أن يتسقوا مع ما يقولون وما يطرحون لجمهور الناخبين أثناء الانتخابات فعندما يقول المرشح أثناء الانتخابات إنه يدعم قيم الأسرة فيجب أن يكون هو شخصيا كذلك وإذا ثبت شيء يخالف ذلك فهناك ثمن يجب أن يدفع أقله الاعتذار الرسمي العام، إذن مشكلة الحاكم لم تكن اتصاله بمكتب الشبكة فلو كان إنسانا عاديا لما كانت هناك مشكلة من الأصل ولكن المشكلة أنه حاكم ولاية أنتخبه الناخبون لهذا المنصب عندما قال إنه سيدعم قيم الأسرة إلا أنه أنحرف بالممارسة فكان معول هدم لأسرته وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه فأنه فقد ثقة الناخبين مما تسبب في هذه الفضيحة التي أعتقد جازما أنها ستكلفه منصبه في نهاية الأمر الذي لم يمض عليه فيه إلا سنة ونيفا من الشهور.
إذن الساسة في المجتمعات الديموقراطية تحت رقابة لصيقة وفعالة ودقيقة جدا وترتبط أقوال الساسة أثناء الحملات الانتخابية بأفعالهم وممارساتهم ومواقفهم بعد النجاح وويل لمن تختلف أقواله عن أفعاله، عندها سيكون أول المتبرئين منه حزبه وأنصاره وسيواجه الصحافة منفردا.
ترى لو أوجدنا أو تواجدت مثل هذه الشفافية عندنا بالكويت ترى كم من الساسة سيتساقط عندما نربط بين أقوال المرشحين بالانتخابات مع أفعالهم ومواقفهم بعد الانتخابات مع وجود جمهور ناخبين واع؟!