أستغرب من اعتقاد البعض في مجتمعنا أنهم محور العالم، وان الدنيا كلها تدور في فلكهم، لذا يحق لهم التصرف وفق أهوائهم، فيفعلون أو يقولون ما يشاءون، في أي وقت أو مكان، مهما كانت الظروف، أو الثمن الذي سيدفعه المجتمع نتيجة بقائهم دائما في «حالة تمركز حول الذات».
وهذه الحالة كما يبينها «الباحث علي عبدالرحيم صالح» في مقال له بعنوان: «التمركز حول الذات سيكولوجية تدهور الذات والعلاقات الإنسانية» فيقول ـ بتصرف: «إنها حالة يعاني أصحابها من نوع من التشويش، وسوء الفهم، وعدم الاقتناع بأن الناس يتصرفون بطريقة مختلفة عنهم، ويعتقدون بأنهم يمتلكون أفضل وأعقل وأنبل الدوافع والقيم الصالحة للناس، الذين عليهم أن يتبنوها ويعملوا بها رغم أنها غير صالحة، كما يحاولون بصورة دائمة وخبيثة إقناع الآخرين، ودفعهم للتخلي عن منظور حياتهم الخاصة، واستبداله بمنظورهم وقيمهم هم».
كما يصف «الكاتب د.أحمد اغبال» سلوكيات هؤلاء في مقال له بعنوان: «مفهوم العدالة عند أرسطو» فيقول ـ بتصرف: «إن الطبيعة الأنانية لبعض الأشخاص الذين لديهم ميل إلى التمركز حول ذواتهم، تؤهلهم لأن يكونوا أكثر ميلا إلى الظلم منهم إلى العدل، وخاصة إذا تمركزت السلطة بين أيديهم وتوافرت لهم أسباب القوة».
ونتيجة لسلوكيات أولئك الأشخاص، والأساليب التي يتبعونها للتأثير على الآخرين، والسيطرة عليهم، وإلغاء عقولهم، لذا فإني أميل إلى أن أطلق عليهم اسم «الشخصيات الويكيلكسية» وذلك نسبة إلى موقع «ويكيليكس» الشهير الذي أصبح حديث الساعة، والشغل الشاغل للناس في جميع أنحاء العالم، نظرا للضجة الكبيرة التي أثارها ومازال يثيرها يوما بعد يوم.
وقد نسبتهم لذلك الموقع نظرا للصخب الدائم، والإزعاج المستمر الذي يسببونه لمن حولهم ـ وهي سلوكيات أضيفها لما سبق ذكره عنهم ـ حيث يصدق فيهم المثل العربي القديم الذي يقول: «أسمع جعجعة ولا أري طحنا».
فأولئك الأشخاص مزعجون إلى حد غير معقول، وقوتهم تكمن في ألسنتهم، فهم غالبا ما يتحدثون ويجادلون، دون أن ينجزوا شيئا يصب في مصلحة مجتمعاتهم، وكل ما يفعلونه هو إثارة المشاكل، ونشر التوتر الدائم في محيطهم.
بعد ذلك قد يتساءل البعض حول كيفية القضاء على «الشخصيات الويكيلكسية»؟ والتخلص من مشاكلهم مع الآخرين؟
إني أعتقد أنه من الممكن أن نستخدم عدة أساليب، أطرحها من وجهة نظري بعد تأمل وتفكير في حالتهم، حيث أرى أن الأسلوب الأول الذي بإمكاننا اتباعه معهم هو: «أسلوب التحجيم والتقزيم»من خلال ضغطهم وتقليصهم إلى الحد الذي لا يرى فيه أي أثر لهم، عبر تجاهلهم وإهمالهم، والتقليل من شأنهم.
والأسلوب الآخر الذي أقترحه هو: «أسلوب التضييق والحصر» وذلك عن طريق توجيههم إلى زاوية ضيقه، يتم حصرهم فيها، بحيث نعمد إلى عدم السماح لهم بتكوين أي نوع من القوة والنفوذ في محيطهم، وتجريدهم من أي مكاسب، أو سلطات على الآخرين، وذلك في حالة وجودهم في موقع المسؤولية.
حينها لا يمكن أن تقوم لهم قائمة أبدا، لأنهم عرفوا أحجامهم الحقيقية، بعد أن انفجرت بالونة «ذواتهم المتضخمة» التي انتفخت بالأكاذيب الواهية، والأوهام الخيالية، التي عاشوا معها لفترة طويلة، فخسروا كل شيء بعد أن تأكدوا أن الآخرين قد اكتشفوا حقيقتهم.
زاوية أخيرة: قال العالم الموسوعي ابن سينا: رياضة النفس.. نهيها عن هواها، وأمرها بطاعة مولاها.
[email protected]