بينما كنت أتصفح موقع «ويكيبيديا» قرأت معلومات مثيرة عن إحدى الدول الصغرى، فبحثت عنها أكثر، ولاحظت أنها قد مرت بظروف مشابهة لظروفنا وربما أصعب منها، إلا أن تلك الظروف لم تؤثر عليها سياسيا أو تضعفها اقتصاديا، بل إنها قدمت تجربة ديموقراطية راقية جذبت أنظار العالم رغم حداثتها، كما أن اقتصادها يعتبر واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. تلك هي مملكة بوتان التي جعلتها ظروفها الجغرافية كدولة صغيرة في موقع مغلق غير ساحلي بين دولتين من كبرى دول آسيا، احداهما بالجنوب وهي الهند التي تقيم معها علاقات متميزة في الجانب السياسي والاقتصادي وجوانب أخرى عديدة ومنها: عمل مواطني كلا البلدين بلا قيود قانونية، والتنقل باستخدام بطاقات الهوية الوطنية فقط.
أما الجارة الأخرى في الشمال فهي الصين والتي لا ترتبط معها بعلاقات ديبلوماسية رسمية، كما أن حدودها المشتركة معها غير مرسومة في معظمها، لذا فهناك نزاع حدودي بينهما على بعض الأماكن.
وقد لفتت بوتان أنظار العالم عندما دشنت مرحلة جديدة من الديموقراطية، وذلك بعد قيامها بإصلاحات سياسية مهمة، وتقديم دستور جديد للبلاد، ثم تحولت إلى ملكية دستورية بعد أن تنحى الملك عن العرش طواعية لابنه، ونقل السلطة إلى الشعب فتنازل عن معظم صلاحياته الإدارية إلى مجلس الوزراء، لينهي بذلك زمنا طويلا من الحكم الملكي المطلق.
ومن المثير للاهتمام أن اقتصاد بوتان أحد أصغر الاقتصادات في العالم إلا أن معدل نموها الاقتصادي قد قفز بسرعة هائلة في السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى قدم ملك بوتان السابق للعالم عام 1972 مصطلحا فريدا هو gross national happiness (gnh index) مؤشر السعادة القومي الإجمالي في بوتان «والذي يقيس حالة السعادة ورضا الفرد في المجتمع البوتاني كبديل للمؤشر الاقتصادي العالمي «الناتج القومي الإجمالي»، ونتيجة لاهتمامها بسعادة مواطنيها صنفت مجلة بيزنس ويك بوتان «أسعد بلد في آسيا» و«ثامن أسعد بلد في العالم» وذلك طبقا لمسح عالمي أجرته جامعة ليستر عام 2006 يسمى «خريطة السعادة في العالم».وتملك بوتان رؤية بعيدة للتحول إلى مركز خدمات عالمي في عدة مجالات: كالتعليم، والصحة والسياحة، والتمويل المالي، وتطوير البنية التحتية، والطاقة الكهرومائية، والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، لذلك تعمل باستمرار على جذب المستثمرين لفتح آفاق تجارية واسعة.
٭ زاوية أخيرة: من الرائع أن نقرأ عن تجارب الآخرين الناجحة.. ولكن الأروع أن نتعلم منها كيف نصنع نجاحاتنا الخاصة.
[email protected]