دلال مـدوه
هو قاتل خطير ضحاياه كثر، لا يملك شفقة ولا رحمة، متسلل ماهر كما الأفعى في هدوئها، ومحايل ماكر ينافس الثعلب في دهائه، يجوب كل مكان، وليس له وقت ولا زمان.
لا يتعب ولا يمل حتى يجد الضحية المناسبة فينقض عليها دون رحمة كما ينقض الأسد الجائع على فريسته ويمزقها إربا إربا فتتلاشى وكأنها لم تكن.
هل عرفته عزيزي القارئ؟
انه «اليأس» ذلك القاتل الخفي الذي يتسلل للنفوس دون ان نشعر، فيخدعنا ويحتال على عقولنا بحيل كثيرة، ويدخل علينا من مداخل عديدة.
يحيطنا من كل جانب، دون ان نملك القدرة على المقاومة، فنستسلم له بكل سهولة، ونصبح أسرى في سجونه.
يقيدنا بقيود الفشل، ويربط عيوننا بعصابة الظلام، ويلقينا في زنزانة الأحزان.
كيف السبيل إلى هزيمته؟
انه سلاح واحد وطريق واحد نحتاج اليه وهو سلاح التوكل على الله، وطريق الإرادة والصبر والعزيمة.
ننتصر عليه حين تعمر قلوبنا بالإيمان، وتطمئن نفوسنا بالرضا، وتضيء دروبنا بالأمل.
حين لا نستسلم للفشل، ولا نمل أو ننهزم، فنكرر المحاولة تلو الأخرى حتى نصل للنهاية، فنقطع الطريق عليه ونمنعه من الجريمة، جريمة قتل الأحلام ونشر الحزن والآلام.
تأمل معي عزيزي القارئ هذا السؤال: هل النملة أفضل منك؟ لا اعتقد ذلك.
وهذه حقيقة اكتشفها القائد المغولي الشهير تيمور لنك حينما هزم في إحدى معاركه شر هزيمة، هزيمة لم يتوقعها، واصابته بصدمة لم يحتملها، فاهتزت ثقته بنفسه وتحطمت عزيمته، وطعنه «اليأس» بخنجره وكاد يصيبه في مقتل.
لولا انه سار بعيدا عن ساحة المعركة فجلس بجانب صخرة ملساء يفكر في أوضاعه ويتأمل أحواله ويحلل أسباب هزيمته وانكساره، وبينما هو كذلك، رأى نملة صغيرة لفتت انتباهه، فكانت تحمل طعامها وتحاول صعود تلك الصخرة، وكلما صعدت انزلقت وسقطت وتناثر طعامها، لتعود من جديد فتجمعه وتحاول الصعود مرة اخرى، وهكذا ظلت تحاول وتحاول حتى نجحت أخيرا بعد 40 محاولة في تسلق الصخرة.
فقام تيمور لنك من مكانه وقد دب فيه الحماس فثار على الفشل، وطرد من نفسه الحزن والألم، وعاد محملا بالعزم والاصرار والأمل، فجمع جنوده وقادته وحثهم على الكفاح والعمل، وذكر لهم قصة النملة ومثابرتها وصبرها وعدم استسلامها «لليأس»، فأشعل في نفوسهم شعلة الحماس والإيمان بالنصر، فعادوا للمعركة من جديد تحركهم الإرادة القوية، والعزيمة الفولاذية، فنالوا ما طمحوا اليه، وحققوا ما أرادوا.
وأنت كذلك يا عزيزي القارئ قم وأعلن الحرب على «اليأس» وقاتله بسلاح الايمان، ولا تدعه يهزمك، واحذر كل الحذر فلا تكن من الذين قال الله عز وجل فيهم (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون - الحجر: 56).
وتذكر سيرة المصطفى ژ وما عاناه من أصناف الأذى في دعوته، ولكن ذلك لم يضعف اصراره، ولم يصبه بـ «اليأس» والقنوط، بل انه كان أقوى الناس عزيمة وأكثرهم تفاؤلا.