دلال مدوه
لا شك ان البخل صفة قبيحة، وعادة مذمومة، ووسيلة ناجحة لإبعاد الآخرين، وتنفير أعز الناس والأقربين.
وقد عابها العرب قبل الإسلام واعتبروا من اتصف بها ناقص الرجولة.
كما جاء الإسلام ليؤكد رفضه الشديد والقاطع لهذا السلوك المنبوذ، فوجدنا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قد استعاذ منه في دعائه دبر كل صلاة فكان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن،...» سنن النسائي.
وقد توعد الله سبحانه وتعالى البخلاء بالعذاب الشديد فقال عز وجل:
(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير.... آل عمران: 180).
وللبخل أنواع عدة، وصور شتى، فهناك من يبخل بماله وهو البخل المعروف بين الناس، وهناك من يبخل بعلمه ومعارفه على اختلافها. ونجد من يبخل بوقته على أهله، أو رعيته.
ونرى كذلك بخل المسؤول بسلطته، فلا يسخرها لخدمة مجتمعه، بل يستغلها لينفع نفسه وبطانته. ومن أسوأ أنواع البخل في مجتمعاتنا هو البخل العاطفي بين الزوجين، ذلك البخل الذي هدم البيوت، وحطم الأسر، وقد ظهر نتيجة لنشأة بعض الرجال في بيوت مصابة بالتصحر العاطفي، والتجمد المشاعري، فلم يروا تحت أسقفها أساليب التعامل الراقية، أو يسمعوا بين جدرانها كلمات الحب الدافئة.
وأيضا لتشبعهم بالأفكار السلبية التي تعتبر إظهار المشاعر للزوجة نوعا من الضعف.
ويرى البعض ان المشاعر العاطفية، وكلمات الحب الغزلية بين الزوجين مقصورة على أيام الخطوبة أو الشباب، وانه من العيب إبداؤها بعد التقدم في العمر، وجميعها أفكار خاطئة، ولا تتفق مع هدي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الذي ضرب لنا أروع الأمثلة في إظهار المحبة والحنان والعاطفة مع زوجاته في جميع فترات حياته.
وقد ازداد هذا السلوك السلبي أخيرا، نظرا للاهتمام المتزايد بالجانب المادي للأسرة على حساب الجانب العاطفي، فضلا عن حالة العزلة التي يعيشها العديد من الأزواج في عالمهم الخاص بعيدا عن زوجاتهم، الأمر الذي أدى للكثير من المشكلات، واتساع هوة الخلافات.
وختاما علينا ان نسعى جميعا لاستئصال هذا المرض الخبيث المتسرطن في المجتمعات، بالإيمان العميق ان الله سبحانه هو المعطي للعلم والسلطة والثروات، وانه مثلما منحنا الأعطيات، فقد يأخذ منا كل الهبات، لذا يجب ان نستغل عطاءه بصنع الخيرات، وتحويل بيوتنا بالمشاعر الدافئة والمحبة إلى جنات.
زاوية أخيرة:
أظهرت دراسة حديثة نشرت أخيرا في مجلة «بلوس ون» العلمية الأميركية ونقلها موقع دوتشيه فيله: أن إناث القردة تتزاوج مع الذكور التي تقوم بإشراكها في الطعام، حيث تعتمد الذكور على الإناث في الحصول على الطعام اليومي والراحة، متجنبة مشقة الخروج للبحث عن غذائها بنفسها، وقد لاحظ الباحثون أن الإناث ترفض التزاوج مع الذكور «البخيلة» التي لا تفرط في طعامها أو تقتسمه مع الآخرين.