كان يجلس إلى جانبها وهي تقود السيارة، يحدثها فلا ترد، يلاطفها فتتجاهله، وبينما هما كذلك طوال الطريق توقفت في محطة البنزين لتملأ خزان الوقود، فنزلت من السيارة بنفسها، لأنها لم تشأ أن تطلب منه القيام بذلك وهي غاضبة منه، فنزل هو الآخر ودخل إلى المتجر الملاصق للمحطة ليبتاع علبة من الشوكولاتة التي تحبها، لعلها ترضى عنه، وفي المتجر انتبه إلى عدد من باقات الزهور الصفراء الزاهية، مصفوفة بتنسيق شديد داخل حاوية بجانب رف الحلويات، فانتقى واحدة، وذهب لدفع ثمن مشترياته، وعندما مد يده للمحاسب بالنقود لاحظ علبة صغيرة بجانبه تحوي عددا من العناكب البلاستيكية الصغيرة، فأخذ واحدة منها وضمها لمشترياته
ليمازحها بهذه الخدعة، ويرسم الابتسامة على شفتيها.
وقبل أن يخرج من المتجر، نظر من الزجاج فلاحظ أنها انتهت من ملء الخزان وذهبت لتدفع ثمن الوقود، فخرج مسرعا إلى السيارة، ليقوم بفرش الزهور أمام المقود على «التابلوه» ويخفي العنكبوت بداخل مظلة السائق الواقية من الشمس، وعندما ركبت السيارة لم تلق بالا للزهور، بل أبعدتها من أمامها لتبين له أنها مازالت غاضبة منه، وكذلك حتى لا يتشتت ذهنها بالنظر إليها أثناء القيادة.
أدارت محرك السيارة وانطلقت خارجة من المحطة، وبعد برهة، أخرج من العلبة قطعة من الشوكولاتة ووضعها أمامها، فنظرت إليها لثانية قبل أن تخطفها بسرعة وتلتهمها، ثم أخرج واحدة أخرى، فمدت يدها والتقطتها، ثم ابتسمت وهي تضعها في فمها، ثم قالت له: يا لك من ماكر إنك تعرف أنني لا أستطيع مقاومة الشوكولاتة، فناولها قطعة ثالثة وهو يضحك فضحكت، ثم رفعت يدها لتنزل المظلة بعد أن أزعجها شعاع الشمس.
وفجأة سقطت العنكبوت الصغيرة في حضنها، فصرخت بفزع واضطربت عجلة القيادة بين يديها، وكادت تصطدم بالسيارة القادمة باتجاهها، فتوقفت على جانب الطريق، وفتحت باب السيارة وخرجت لتنفض ملابسها وهي تصرخ بحالة هستيرية.
حاول أن يهدئها وهو يضحك قائلا: هذه خدعة لقد كنت أمزح، واستمرت واقفة أمام الباب وهي في حالة ذهول وفزع، ثم قال لها وهو يلقي عليها العنكبوت بسرعة: انظري إنها خدعة، فصرخت مرة أخرى وقفزت مبتعدة عن الباب، وأتت سيارة مسرعة فصدمتها بقوة لتطير إلى الأمام عدة أمتار، قبل أن تسقط على الأرض مضرجة بدمائها، فانكمش هو وتجمد في مكانه لعدة دقائق من هول الصدمة، في الوقت الذي ترجل فيه السائق الآخر من سيارته، ووقف مندهشا أمام جسدها الملقى على الأرض، قبل أن يتصل بهاتف الطوارئ.
تجمع المارة، ووصلت سيارتا الشرطة والإسعاف، ثم دنا منها بعد أن كان يقف مع رجل الشرطة، وانحنى أمامها ليجلس على ركبتيه، واقترب بجسده أكثر لينظر إليها، في الوقت الذي وضع فيه المسعف قناع الأكسجين على وجهها، واستعد ليحقنها بجرعة مسكنة وفي نفس اللحظة رأى المسعف العنكبوت على الأرض، فقام من مكانه فزعا متراجعا إلى الوراء، ودون أن ينتبه غرس الحقنة بطريق الخطأ في عين ذلك الشاب، وبعد أن كانت هناك حادثة واحدة تحولت إلى حادثتين.
وختاما: فإن الأحداث السابقة التي وصفتها باختصار، كانت فيلما قصيرا، وصلني عبر البريد الإلكتروني، وحمل في نهايته رسالة للمشاهد تقول: إن القصة تبدأ دائما بمقلب ومزاح، لتنتهي بإلحاق ضرر بالآخرين.
زاوية أخيرة: قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله:المزاح سنة، ولكن لمن يحسنه ويضعه في موضعه.
[email protected]