يدندنها وهو لا يعلم أنه في يوم من الأيام سيخطفه الموت من أبصارنا، ولكن نؤمن وراضين كل الرضا بقضاء الله وقدره، لا نعترض فهي حكمة الله فوق الجميع، فقط الحزن يدمي قلوبنا إلى ذلك الهبوط الاضطراري الذي انتاب الفن والساحة الفنية مؤخرا، وليس الكل بل البعض.
هو الطبقة الصوتية الأعلى والأنقى، تغنى وغنى بحب الجميع، وكل غناويه نابعة من صميم قلبه، عبر بما يحس وأوصله بإحساسه الذي لم يسبقه إحساس، دخل القلوب وتمسك بها وتمكن من أذننا التي تولعت به وبصوته العذب كما قال في ديو مع السفير عبدالله الرويشد في أغنية «يا ناسين الحبايب ليه بالقسوة».
عاون فنانين كثر ووقف إلى جانبهم بعزم وإصرار وهمة، لم يرفض لأحد طلبا من أبنائه الفنانين، غنى الديو مع أغلبهم وهو فنان له وزنه وخامته الصوتية التي لا توجد لها مثيل، تغلغل في وجداننا وذكراه مع كل صول يقولها تدق في قلوبنا، كما قال انتوا وين تعبت مني المطارات والتي جمعته الكلمات برفيق دربه الشاعر الشهيد الجليل فايق عبدالجليل، وأغنية أخرى يقول فيها يا سمار، وبالفعل لا يحلى السمر إلا بصوت الدان من أبو أصيل، وياما تحملت مرارات الزمن وبالفعل كم تحمل ولكنه صلب وجلد ووصل إلى أن أصبح من عظماء الفنانين الذين تركوا أثرا أدمى قلوبنا بعد رحيله، هو راحل ولكن لن يغدوا عن مخيلتنا، فهل ننسى من قال «يا حامل الأثقال»، وأيضا أرشيفه الذي تضمن أكثر من 145 أغنية، ومن ضمنها ودع جمهوره الذي كان ولا يزال شغوفا به وغنى لهم بطريقته الوداعية أغنيته «ودعت قلبي مع الأحباب».
والسؤال هنا هل نطيق فراقه؟ لا أظن، فمن الممكن أن نتناسى كي لا نحزن، ولكن الحزن يكسر أضلع قلوبنا، نهيم طربا معه في كل مرة نسمع له أغنية يشدو بها ولا نكل ولا نمل، فهو الأصيل أبو أصيل الذي، ومع الأسف، من كثرة عشقي له لم تسنح لي الفرصة لإجراء حوار عميق معه، فقد وافته المنية ولن يحصل، مع العلم أن في آخر أيامه كنت أسعى الى رؤيته، لكن التعب أثقل كاهله والمرض تغلب عليه وكله بأمر الله.. اللهم لا اعتراض.
إنه الفقدان، فلا يوجد من هو أصعب منه وحينما نفقد أيقونة الفن والطرب الأصيل، فكيف لنا أن نتحمل ذلك الرحيل، وكيف سيكون حال الفن يا أبوأصيل، ليس لنا إلا أن ندعو لك ليلا ونهارا بأن يتغمدك الله بواسع رحمته، فهو ذو الجلال والإكرام استعاد أمانته، وألهمْنا اللهم الصبر والسلوان على الفراق.
وفي الختام، أبوبكر اسم حُفر في ذاكرتنا، ولن ننساه ما حيينا.