اهل السنة والجماعة يعظمون النصوص ولا يعظمون الشخوص، يعظمون «قال الله وقال رسوله»، لا قال ابو حنيفة ومالك والشافعي واحمد، فالكل يأخذ من قوله ويرد، الا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحى، وفي هذا يقول الامام احمد: عجبت لقوم عرفوا الاسناد وصحته، ويذهبون الى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم) اتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله اذا رد بعض قوله ان يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيهلك.
لا يحزنني التهكم على فتوى الشيخ عبدالمحسن العبيكان في ارضاع الكبير التي قد يكون ليس لها داع لاثارتها، بقدر ما يحزنني التشكيك في الحديث الصحيح والاثر الثابت في السنة النبوية حول قصة سالم مولى حذيفة بن اليمان في هذه القضية، وهذا الحكم الشرعي، والذي لا يعقل حقيقته كثير ممن خاض فيه، وظن البعض ان رضاعة الكبير هنا المقصود منها التقام صدر المرأة وهتك الحرمات.
بل انه زيادة على حزني الشديد فإني استغرب على من هاجم مثل هذه الفتوى بدعوى انه يريد الدفاع عن الدين وتنقيته من الفتاوى الشاذة كما يزعم، وغفل عما هو اولى في الرد والتفنيد ان كان صادقا وهي فتوى العبيكان في جواز حل السحر بسحر مثله، والذي رأى فيها اهل الصنعة الحقيقية من العلماء والمشائخ الكبار ان فيها دعوى وتشجيع على اتيان السحرة، حتى ان منتديات الانترنت امتلأت بالردود الشرعية، وطفحت المكاتب بالرسائل العلمية لدحض ادلة المجيزين، غفل الجهال عن التعليق على هذه الفتوى الاخطر التي تمس العقيدة، وذهبوا يهولون من فتوى في قضية خلافية قديمة، اقل منها قدرا قامت على تفسير نص صحيح، اذن فمرادهم ليس ابانة الحق وانما التنقص من العلماء ومن الشريعة، فلا حول ولا قوة الا بالله والى الله المشتكى في زمن الغربة، فمسلسل لمز العلماء والمغالطة المقصودة في فهم فتاواهم مازالت حلقاته مستمرة.
اخيرا وللعلم، فتوى العبيكان في ارضاع الكبير مختلفة اختلافا كليا عن فتوى ذلك الجاهل الازهري الذي اقام الدنيا وما اقعدها حتى اقيل من منصبه واراح الناس منه، وذلك ان فتوى العبيكان تشترط في اجازة ارضاع الكبير الشروط الشرعية المذكورة في كتاب العلماء الاولين، وهي ان يكون الرجل الكبير في مثل ظروف سالم مولى حذيفة بن اليمان، وهي وجود الضرورة والحاجة الماسة، اضافة الى كيفية الرضاعة المرادة، وهي ان يشرب لبن المرأة عبر اناء او غيره وليس من صدرها مباشرة كما افتى به ذلك الجاهل ويظنه كثير من الجهال، والله المستعان.
[email protected]