لا خلاف بين المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور في أول دعوته الإسلامية، وقيل في ذلك تعليلات كثيرة، قيل منها ما تفضي إليه من الشرك وذرائعه، حيث كان لأهل الجاهلية صولات وجولات في الاستنجاد بأهل القبور، والاستغاثة بهم، فأتى النهي خوفا على الصحابة في بداية إسلامهم أن تتعلق نفوسهم بأهل القبور، حيث لم يمض على إسلامهم وقت طويل، وقيل لأجل النياحة عندها، وقيل لأنهم كانوا يتفاخرون بها، كما ذكرت طائفة من العلماء في قول الله عز وجل «ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر» أنهم كانوا يتكاثرون بقبور الموتى.
لكن بعدما استقر التوحيد في نفوس الصحابة، وامتلأت نورا، جاء نسخ النهي عن زيارة القبور إلى الإذن والترغيب فيها، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»، وفي حديث آخر «فزوروها فإن فيها عبرة»، وفي حديث آخر «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة»، لذا يمكن إيجاز الحكمة من استحباب زيارة القبور بأن فيها إزالة ما في القلب من قسوة، والتذكير بالآخرة، والعظة والاستعداد للموت بالعمل الصالح، بالإضافة إلى صلة الرحم.
ما ذكرته آنفا إنما هو سعي لإزالة الغمام عن عوام المسلمين الذي نالهم تشويش المشوشين وخلط المخلطين من القبوريين، ممن يلبسون الحق بالباطل، ويستشهدون بنصوص زيارة القبور على الطواف بالقبور والاستغاثة بأهلها، ويزعمون أن أهل السنة والجماعة يحرمون زيارة القبور «كبرت كلمة تخرج من أفواههم»، بل أهل السنة ملأوا مصنفاتهم وكتبهم في ذكر فضل زيارة القبور، لا الطواف بها أو شد الرحال إليها.
توفي المرجع الشيعي فضل الله وبوفاته فُقد أحد رموز الاعتدال في المذهب الشيعي، وقد أفردت له «الأنباء» جانب من اختياراته الفقهية والعقائدية التي أرى فيها خطوة جيدة لوحدة المسلمين ولم شملهم أورد بعضها للفائدة، فقد ذكر فضل الله في أحد لقاءاته «ان شد الرحال الى المراقد لم يرد فيه اي نص من قبل أئمة آل البيت»، وهذا يوافق ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى»، وكذلك «أفتى بالتحريم تحريما مطلقا الاساءة الى الصحابة وسبهم وبرأ السيدة عائشة رضي الله عنها من قضية الإفك لأن الله برأها في ذلك، ولا يجوز اتهامها أو اتهام أي من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، كما أنكر قضية كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها»، وفي إنكاره لهذه الرواية الشنيعة ينفي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المجاهد المقدام صفة الجبن والخور حيث تشير تلك القصة المزعومة أنه لم يستطع الدفاع عن زوجته وبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم الجهال باختلاق هذه القصة الملفقة.
[email protected]