يمنع أن يمتهن المهندس وظيفة الطبيب، أو أن يمتهن النجار وظيفة الطيار، بل هناك قوانين صارمة تردع كل من يتعدى حدود مؤهله فيما يضر بالصالح العام، فمن المستحيل أن ترى كاتبا صحافيا وناقدا مسرحيا ومفكرا عربيا يفتح صيدلية ليبيع الأدوية فيها دون مؤهل ملائم، في المقابل من السهل جدا أن يصدر أحدهم مؤلفا شرعيا باسم تجديد الخطاب الديني، أو يخرج لنا بمجموعة فتاوى دينية شاذة باسم فتاوى جريئة أو عصرية، فالدين عند البعض أشبه بحارة «كل من إيده إله»، فالكل يحق له الإفتاء، وتسفيه آراء العلماء والفقهاء، وإبداء رأيه في المسائل العظيمة التي لو عرضت على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر لشدتها وخطر أثرها، فالإفتاء صار في مفهوم البعض حقا مشاعا للجميع.
شحاذة المخالفين لقانون الإقامة وأهل النصب والاحتيال من اللصوص والحرامية الذين امتهنوا التسول وظيفة لا نجد ضدهم تحركا حكوميا جادا وفاعلا سوى تصاريح وبيانات ورقية، سواء من وزارة الأوقاف أو الشؤون أو الداخلية، في حين جمعيات النفع العام الخيرية التي عم نفعها البعيد والقريب، والتي تعمل تحت ضوء النهار وأرصدتها تحت إشراف الرقابة الحكومية يطولها التضييق بكل صوره، وفي كل يوم يطلع لنا خبر أو قانون ينقض ما قبله، فهذا يسمح بالاستقطاع، وذاك يمنع النقد، وهذا يقنن عملية الجمع، وهكذا دواليك، وما يزيد الأمر حسرة وألما أن تخص جمعية بدعم مقداره 5 ملايين دينار لم يعرف لها إسهام حقيقي في خدمة المجتمع، اللهم إلا إبراز وتلميع منتسبيها إعلاميا، لكن الخبر الأكيد أن الدعم ما هو إلا جزء من سداد فاتورة موقف متأخرة.
كلية الشريعة هي الكلية الوحيدة التي تهدد بالإزالة من حين لآخر، أو بالدمج مع كليات أخرى كالحقوق، ويهدد خريجوها بالتضييق الوظيفي، بل التضييق واضح حتى في ممرات مكاتب أساتذتها في كيفان، الأشبه بالخنادق وبمغارات تورا بورا، فهم المغضوب عليهم لدى بعض المتنفذين والساسة، وما أدري صراحة هل سيفرج عنها وعن منتسبيها في موقع الجامعة الجديدة التي قد يدرك افتتاحها أحفادي أو من بعدهم بقليل، العلم عند الله؟
أزمة الكهرباء في الكويت أعقبها ما يعرف بحملة ترشيد، والتي للأسف لم يتقنها قط سوى وزارة الأوقاف، والضحية بالطبع بيوت الله والمصلون، فيغلق التكييف بعد كل صلاة بنصف ساعة، وتغلق الإضاءة سوى إضاءة المصلى الرئيسي، في حين المولات والمجمعات التجارية والمسابح والنوادي خارجة عن تغطية حملة ترشيد تلك، فهي تعمل بنظام 24 ساعة، والسبب أن المصلين آخر من يلتفت إليهم.
الأمثلة التي سقتها كلها تدلل وتؤكد على أن الدين دائما هو الحلقة الأضعف لدى الكثيرين إلا من رحم ربي، فالكل يجترئ عليه أو يقلل من شأن أهله، فالمتبرجة التي تشوه المنظر العام لا يتعرض لها، في حين تحارب المرأة المسلمة المنتقبة في مصر وسورية وتونس وتركيا وأوروبا، والإرهاب في جميع أنحاء العالم أسبابه نفسية واجتماعية إلا في عالمنا العربي والإسلامي فسببه هو التمسك بتعاليم الإسلام وحسب، وعزاؤنا قول نبنيا صلى الله عليه وسلم «بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء».
[email protected]