ضاري المطيري
عند إرادة التطوير نسمع مناديا يقول: التقاليد تمنع، وصارخ يصيح بالخوف من كلام الناس، بل نرى هلعا من مجرد التغيير وخشية من الاعتراف بالأخطاء السابقة والمتأصلة من العادات الذميمة والموروثة، ويتجلى ذلك عند طلب تطبيق حكم شرعي وبالأخص في الأمور الاجتماعية المتكررة كطلب الخاطب رؤية مخطوبته، فنسمع من يقول: «بناتنا ليسوا للعرض» وكأننا نريد عرضا فاضحا للأزياء أو دعوة للرذيلة أو شيئا من ذلك رغم أهمية مثل تلك الرؤية وأثرها في ديمومة الحياة الزوجية ونجاحها، فإن وقع الطلاق بعد ذلك فلا تسأل ماذا سيحدث؟ حين يصدم الزوج بحقيقة صورة زوجته وبالغبن الذي وقع عليه وعليها «ولات حين مناص» حينها يضرب الوالدان أخماسا بأسداس ولكن متى؟ بعد ان وقع الفاس بالراس وأصبحت ابنتهم مطلقة جراء جريمتهم الناتجة عن المفاهيم السيئة والمقيتة وجمود تفكيرهم.
بالرغم من هذا تجد احيانا العادات والتقاليد قد تحفظ بعض القيم والمكتسبات، نعم، انظر مثلا كيف يعتز الغرب بثقافته الموروثة والمتعاقبة كما يفعل البريطانيون اليوم في طريقة ملبسهم التقليدي، بل حتى في شكل تصميم سياراتهم التراثية، وهذا تجده جليا في سيارة الأجرة ذات «الديزاين» التراثي المميز، وانظر ايضا الى الصينيين واليابانيين كيف يحرصون على حفظ تراثهم وثقافتهم من التغير أو حتى المزاحمة، فبالأمس القريب قرأنا استنكارا في الصين لانشاء محلات ستار بوكس في مدينة تراثية تعبر عن ماضيهم، فليس الأمر يقتصر على الشعوب العربية أو على المسلمين، بل يشمل العموم، لأن التمسك بمثل هذه القيم يدل على الأصالة والثقة والعزة بالذات، فالتشبث ببعض العادات يعكس مدى تلاحم الأمة ومدى قوتها، ألا ترى ان من الأشياء التي كان يحرص عليها الاستعمار قديما وحديثا هو نشر قيمه الخاصة به وفرضها على الآخرين من الضعفاء.
ففي بلاد الخليج الكثير من العادات الحميدة التي نرجو ان تعود ان كانت قد اختفت أو تعزز ان كانت قد ضعفت أو بليت، أولاها وأشهرها زيارة الأهل والتجمعات العائلية الدورية المتكررة اسبوعيا، وتلك المؤازرة في لقمة العيش، فالكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير، والجيران وما أدراك ما الجيران وما هي حقوقهم التي عرفها اجدادنا، فالآن كثيرا ما تجد الجار لا يكلم جاره بسبب شجار بين الصغار أو بسبب أقل من ذلك كمزاحمة على موقف السيارة، فيقول: هذا مكاني ويقول الآخر: لا تسد علي المخرج وانظر الى تلك التفاهات، ففي هذا الزمن وللأسف لا تستغرب من نزول أحدهم بيته ثم مغادرته بعد سنين طويلة دون ان يتعرف الجيران عليه وعلى أحواله.
فما أعنيه في هذا المقال ان لدينا لغة هي لغة القرآن قد امتزنا بها عن سائر الأمم ولدينا من الطبائع والخصال ما يحسدنا عليه الآخرون كالكرم والغيرة ونصرة المظلوم والأشياء الكثيرة الكثيرة، فبالتالي يجب ان نعزز هذه القيم التي تميزنا بالخيرية ونعرف بها عند الآخرين، وننقحها مما يشوبها من جهالات واساءات، فلا يلزم من الحث على التمسك بعاداتنا وتقاليدنا ان تراثنا أو تراث غيرنا يخلو من العيوب والنواقص، فكل شيء غير الشرع فهو معرض للنقد قابل للأخذ والعطاء.