ضاري المطيري
ان القارئ المتأمل للتاريخ والمتتبع لاحوال البشر وانجازاتهم عبر الزمن، ليجد العجب من اول وهلة في انتقائية التاريخ في تخليد بعض الاعمال على بعض او بعض الاشخاص على آخرين، فأحيانا تعتقد ان التاريخ يخلد اسماء الملوك والامراء او الاعمال المضنية المتعبة او الابداعات الخيالية وحسب، فالتاريخ مثلا خلد اسماء وميزهم بالعلم الشرعي رغم كثرة العلماء والاقران في زمانهم، فالبخاري ومسلم وهما اعجميان وليسا بعربيين الا ان كتابيهما الصحيحين هما اصح كتابين بعد كتاب الله بلا منازع بالرغم من وجود كتب الحديث الكثيرة التي سبقتهما كموطأ مالك أو مسند أحمد مع جلالتهما، والناظر لكتاب رياض الصالحين أيضا يتعجب كيف انه جمع وانتقى احاديث هي مكفولة بغيره من العناء كالتي في الصحيحين والسنن والمسانيد لكنه قام باختصار وتبويب مميز لها تسهيلا للقارئ، فالان لا تجد بيتا مسلما يخلو منه في الغالب، ولعل مثل هذه الاعمال تدل على البركة والاخلاص، ومثله ذلك الكتيب الصغير حصن المسلم الذي حوى الكثير من الاذكار الفاضلة والمتكررة رغم انها موجودة سلفا في كتب الحديث لكنه ايضا اجتهد بالتحقيق والتسهيل على متناوله.
وان اردت النظر الى مفخرة الكويت فاقرأ الموسوعة الفقهية فهي عمل جبار قامت به وزارة الاوقاف مشكورة في عهد الانجازات، حتى اننا اصبحنا نتباهى بها خارج الكويت، فما اكثر المشائخ الذين قابلت يسألون عن هذه الموسوعة، وعن كيفية اقتنائها وكم جزءا قد تمت طباعته وهل تم الانتهاء منها، وايضا مشروع مكتبة طالب العلم من اكثر المشاريع التي افادت طلبة العلم في الكويت وخاصة المبتدئ منهم ومن ليس لديه ما يدخره لشراء كتب العلم النفيسة، وقد تبنته جمعية احياء التراث الاسلامي التي عرفت بالحرص على نشر العلم والفضيلة بين الناس، وعلى هذا المنوال رأيت ثلة من شباب مسجد سبرة بن ابي رهم في منطقة العارضية قد قاموا بانشاء مطوية تحوي تذكير المسلمين بالايام البيض المستحب صيامها، وذكر شيء من فضائل بعض المواسم كالعشر الاواخر وعشر ذي الحجة، وهي شهرية واسموها بسلسلة العلاّمتين برّا بالشيخين ابن باز والالباني رحمهما الله، وقد رأيت هذا العمل من قرب كيف بدأ صغيرا حتى كبر وقاوم كثيرا من العوائق والآن قد انشأ القائمون عليه موقعا على الشبكة واصبح انتشارهم ونفعهم في اتساع رغم انتشار المطويات الاسلامية في القديم والحديث، وفي بيان وبرهان انه ليس العبرة بالعدد والكم انما بالكيف والمضمون.
هذا التلفون دقوا على ابن تيمية
والآن اسوق لكم بعض الشخصيات التي بورك بأعمالها على سبيل العموم فمن الماضي ابن تيمية، ولن اذكر ترجمته فليس المقام مقام اطالة لكن سأقتصر على طرفة حكيت لي، ان طلبة علم تعودوا النقاش في احد الدواوين التي يكثر فيها جلوس العامة وكانوا يكثرون اثناء نقاشهم سرد الحجج والاستناد لاقوال شيخ الاسلام رحمه الله، فكان يقول احدهم: قال ابن تيمية والآخر يقول: رجحه ابن تيمية، وهكذا في اي مسألة يطرحونها، وفي ذات يوم احتدم النقاش واعتلت الاصوات وهذا يحدث احيانا بين الاصدقاء، فكان المضحك بالامر ان احد الجالسين اراد حل الاشكال الواقع بينهم، فنصحهم قائلا: هذا التلفون دقوا على ابن تيمية نفسه واسألوه يجبكم وترتاحون.
فانظر كيف ان كثرة ذكر بعض العلماء تجعله كالحي، فلقد ظن ان ابن تيمية ابن القرن السابع مازال يعيش بيننا لكثرة ذكره وذكر نفعه، واما على مستوى الدعوة فيكفينا فخرا ان انجبت الكويت لنا امثال عبدالرحمن السميط وسامي بلال وجاسم العيناتي من الذين عرفهم فقراء العالم وبالاخص القارة الافريقية حتى حسبوهم اخوانا لهم من كثرة التردد عليهم وتزويدهم بالطعام والكسوة، ولم يغفلوا بلاشك جانب التعليم والتدريس، ولا نزكي على الله احدا.