ضاري المطيري
التوحد معلوم للكثير انه مرض عقلي عضال يصاب به الانسان منذ الصغر فيعتزل المجتمع، فنراه قد يلعب او يتكلم لوحده، فهو انطوائي لا يخالط غيره، بل ان بعضهم قد يتسبب لنفسه بالاذى من حيث لا يشعر ولا يدري، فهذه بعض ظواهره والا فهو مرض مبهم ولم تعرف كل خباياه بعد، فأعان الله كل اسرة قد ابتلي احد ابنائها بمثل هذه الامراض المستعصية وعجل في شفائه، ووالله ان القلب ليعتصر ألما لمن هذه حاله وهذه حياته ويرأف لاسرته في بلواها في عزيزها وفلذة كبدها.
لكن ما عنيته بهذا المقال هو التوحد بالمعنى الايجابي ان تتوحد بقراراتك بحيث لا تكون امعة، وان يكون قرارك لما فيه مصلحتك ومرادك وما يوافق طموحك وميولك وما يناسب قدراتك وتفكيرك، لا ان تلبس كل ما يخاط لك من مستقبل دون ان يكون لك فيه قرار، ولتكن لك شخصية مميزة واياك وتقمص شخصيات الآخرين فان هذا قتل لابداعك ولمعنى وجودك، ومن تلك المعاني الايجابية ان تعتزل آراء المثبطين والمخذلين كما يعتزلهم ذلك المتوحد، فلا تلتفت الى من يثني من عزيمتك او يقلل من انجازاتك البينة، وسر الى الامام نحو المقدمة وارق الى الاعلى نحو القمة ودعك من النعيق والصياح واتركه خلفك فسوف تبح اصواتهم وتتعب حناجرهم وينسونك بعدها بقليل، فرويدك واياك ان تخور قوتك في مبتداها بسبب كلمة نابية او تعليق سخيف من بعض ضعاف القلوب، ومن تلك المعاني ايضا ان تتوحد وتبتعد عن الضوضاء والضجة وعن الانشغال بالكلام مع الفوضويين من الناس ممن لا صنعة لهم، ولتنفرد بنفسك للاستجمام والراحة من ناحية ومن باب محاسبة النفس من ناحية اخرى، واحسن ما سمعت في هذا الشأن ان يغير المرء روتينه المعتاد فيسافر ففي السفر فوائد، وفي حال كان الوقت او المال لا يسعفه في السفر خارجا فعليه ان يستأجر ولو غرفة في فندق في بلاده بعيدا عن مسكنه ومقر عمله هروبا من صخب الحياة وتبعاتها المملة واشغالها التي لا تنتهي وليهدأ ويستريح البدن، وان امكن فليغلق تلفونه النقال ولو لمدة ليختلي بنفسه ولو قليلا.
أختم الكلام بخير حديث من قول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) «رحم الله ابا ذر يعيش وحيدا ويموت وحيدا ويبعث وحيدا»، اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.