ضاري المطيري
التحسر على الماضي خبل وغباء، والبكاء على اللبن المسكوب ضرب من الجنون، فما الفائدة من النظر الى الوراء الا زيادة الهم والغم وتضيع الزمن، فلماذا نضيع بين الأمس والغد؟ لنعمل ليومنا فنحن أبناء اليوم، ومع هذا فليس المراد ألا نلتفت الى الماضي للاعتبار وأخذ العظة منه، وألا نتأمل تلك التجارب الفاشلة للاستفادة منها والعمل على عدم تكرارها في المستقبل، فالهموم الماضية تزول بالإيمان بقضاء الله وقدره وباليقين انه لا مناص منها ولا حيلة، فالإنسان حياته مليئة بالمحن والفتن، قال تعالى (لقد خلقنا الانسان في كبد) أي في مشقة وعناء، فالانسان ليس لحاله قرار فهو يتقلب في هذه الدنيا بين الشدة والرخاء والكرب والفرج، فليوطن نفسه على المضي قدما وليرض بما قسم الله، فالقناعة كنز لا يفنى، وهكذا هي سنة الله في خلقه.
هذه المقدمة التي بدأت بها مقتبسة من كتاب قيّم مشهور بعنوان «لا تحزن» لمؤلفه د.عائض بن علي القرني الواعظ المعروف، وقد طبعت منه طبعات كثيرة وانقضت من السوق بسرعة مذهلة لإقبال الناس عليه وعلى ما احتواه من تسلية للنفس المكلومة والمفجوعة بمصيبتها، بل وطبعت منه طبعات مترجمة باللغة الانجليزية تلبية لحاجات الآخرين، وقد راعى المؤلف وفقه الله طرح مسألة الايمان بقضاء الله وقدره بطريقة سلسلة ومشوقة بطريقة فصول متعددة صغيرة حتى لا تمل النفس من قراءته، فأكثر من ذكر آيات الرجاء التي تشرح القلوب وتجعلها تستكين، ومزج ايضا قصص الأولين بأبيات الشعر الجميلة لزيادة التشويق والابداع، وذكر أقوال الحكماء من العرب والعجم، من المسلمين وغيرهم، تلك الحكم والعبر التي تفتقت عنها عقولهم الكبيرة عبر تجاربهم الطويلة، فيكفيك ان تقرأ فصلا أو فصلين لتجد نفسك مشدودا لاتمامه لجمال اسلوبه وسجعه غير المتكلف، ولا يضرك ان تقرأه من أوله أو من منتصفه أو حتى من آخره لكون الفصول غير مرتبطة بسبب تنوع محتواها من آيات وأحاديث وأذكار، بل وقصص وأشعار وحكم وأمثال وأقوال، وغيرها وغيرها من درر وجواهر السالفين الأقدمين.
وقد كنت عنونت هذا المقال ولم أكمل مادته حتى وجدت قبل أيام هذا الكتاب موضوعا على مكتب موظف أثناء مراجعتي لإحدى المعاملات، فكانت رؤيته امامي مرة اخرى في مكان غير متوقع دافعا لي لكتابة هذا المقال من جديد، لذا انصح القراء باقتنائه وقراءته فهو نافع ان شاء الله، وقد اقتنيت منه نسخة لي لكن ما ان رأته اختي الكبرى حتى اعجبت به وأرادت اقتناءه، فلم اجد حيلة الا شراء نسخة اخرى تكون عوضا لي، وفق الله الجميع لما فيه الفائدة.