ضاري المطيري
كثيرا ما تكون المواهب مدفونة فلا تظهر إلا عند التجربة والحاجة إليها، فيتبين للرائي مدى مهارته في ذلك العمل وما علم بذلك إلا للتو، ويرجع ذلك لأسباب منها الخوف من الفشل، وهي نتيجة أيضا لعدم اطلاع المربين على مواهب الصغار والتفطن إليها باكرا حتى تنمي وتعزز الثقة لدى صاحبها، وقديما قال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ): «قيمة المرء ما يحسن» فلو اقتصر عمل المرء على مجال إبداعه وما يملك من مواهب فإنه سيعطي أكثر من غيره بفاعلية ودون جهد يذكر.
كم منا سمع من زملائه الذين يكبرونه بقليل أن مادة الأحياء صعبة والفيزياء زيادة تعقيد والكيمياء طلاسم في طلاسم أو أن النحو بليغ غثيث وعلم النفس كلام غير مفهوم، لكن ما إن تدرسها حتى تحبها ويعشقها قلبك، حتى أنك تنتظر متى تجيء حصة المادة مرة أخرى وتستلذ عند الإجابة على أسئلتها، كم من خطيب مفوه لم يخطر على باله أنه سيجرؤ على الخطابة أمام جمهور غفير، وكم من مذيع أو مقدم برامج مبدع لم يفكر إطلاقا أن يتمكن من الوقوف أمام كاميرات التلفزيون وعلى الهواء دونما تلعثم، والقصص في ذلك كثيرة كثيرة، فالسر في أن تُكتشف المواهب وتُنمى فيما بعد (قد علم كل أناس مشربهم)، فكم من موهبة قتلت في مهدها ودفنت بلا عزاء.
ولي في هذا السياق حادثة حصلت معي أسوقها للعبرة، لما كنت في الثانية (متوسط) حيث ابتلينا في الفصل بمدرس معظم أسئلته لنا كانت تنصب على مادة النحو رغم أن خلفيتنا في النحو ليست بكثيرة في ذلك الحين، فكان يَقْلِب حصة النصوص بعد قراءة أبيات قليلة من الشعر إلى حصة إعراب نحوي، وفي حصة القراءة كذلك، فأصاب الطلبة الضجر والملل حتى أننا رفعنا الأمر إلى الإدارة لعلنا نجد حلا لمشكلتنا لكن دون جدوى، لكن النتيجة لم تظهر في نفس الوقت ولم يطل غيابها، حيث بانت النتيجة علي شخصيا فأصبحت منذ الثالثة (متوسط) أتميز على أقراني في مادة النحو حتى أنني لما التحقت بكلية الهندسة التي ليست لها علاقة بالأدب أو النحو لا من قريب أو بعيد اخترت مادة التدريبات اللغوية كمادة اختيارية لحبي للنحو، وأيضا كثيرا من مقابلاتي الوظيفية كاختبار الإمامة والخطابة ما كان يسعفني شيء مثل إلمامي بالنحو فكان سببا في تفوقي ولله المنة.
وبصراحة لقد اخترت هذا الموضوع بسبب تجربتي المتواضعة في كتابة المقالات، حيث وجدت الترحيب من الناشر مشكورا، ووجدت التشجيع والثناء من الأصحاب والزملاء، حيث أكدوا لي أن بدايتي جيدة وتستحق الاستمرار رغم أنني قبل كتابتي للمقال الأول كنت أعتقد جازما أني لا أجيد كتابة الديباجة (المقدمة) فضلا عن تنسيق الأفكار وتسلسل الأحداث، لكن التجربة عموما مفيدة فهي تُخرج المكنون من الإبداع، فكم من موهبة هي بين جنبيك تنتظر الخروج لتكون لك بها بصمة، فاحرص على إيجادها واستخراجها، وفقني الله وإياك.