ضاري المطيري
تجرد النفس من الهوى شيء صعب يحتاج إلى مجاهدة صادقة، والإنصاف غاية كل إنسان نبيل، وأكثر الناس حاجة لهذا التجرد والإنصاف هم أهل الصحافة وأصحاب الأقلام.
بعضهم للأسف أقعد نفسه مكان أهل الفتيا وعلماء الجرح والتعديل، فبالأمس القريب ذكر اسم بارز من الدعاة الذي من ديدنهم أن كل أمور الدين فيها خلاف فلا تثريب وجعل منه عالما جهبذا ووصف منتقديه بالحساد وبافتقادهم إلى معنى الحياء والأدب، ثم بعده بأيام ذكر اسم د.عجيل النشمي وصوره بالمتلاعب في الفتيا أو ممن يتأثر بالضغوطات، فهل هذا إنصاف؟ أكلما أعجبتنا فتوى وضعنا صاحبها فوق الرؤوس وإن لم تعجبنا رميناه وفتواه وراء الشمس.
البعض أتعبني من كثر اطروحاته المتناقضة السوداوية، فإذا طلبنا التحاكم إلى الشريعة نادى بالديموقراطية، وإن تحاكمنا إلى الديموقراطية طلب التدخل السريع والضغط الحكومي وتدارك البلاد من هيمنة المجلس على حد زعمه، وإن اجتمع المجلس مع الحكومة على أمر لا يرتضيه جعل منه صفقة دنيئة أو تسرعا لا يحمد عقباه، وجعل تقييمه واستقراءه للأحداث راجعا إلى الحكم على النيات والمقاصد، تجده يتكلم عن الختان في مصر والنقاب في أفغانستان وقيادة المرأة في السعودية وينسى بيع أجساد النساء في دور عروض الأزياء ودور البغي والعراء ويتجاهل حال المحجبة المسكينة في فرنسا أو تونس أو تركيا.
الفنان أو الممثل الفاسد عنده يقتصر فساده على نفسه بينما الملتحي أو المصلي إن زل وأخطأ جرّم بذلك الملتحين وجميع المصلين، وإن تبرأ الدعاة من صنيعه لم يرضه وزعم أن الخطأ من مسؤولياتهم، ويعتبر الخطأ فرصة ينبغي ألا تفوت، لا يحق للعالم الشرعي الفتيا بالسياسة أو في الأمور الطبية الحديثة أو في المعاملات التجارية المستحدثة دعوة منه إلى التخصص، بينما يحق له ككاتب أو صحافي التكلم في كل الأمور الدينية والسياسية والاقتصادية والفلكية مادام يمسك القلم ولديه من ينشر سمومه، بل لا يقتصر الأمر عليه بل من الممكن أن يعمل استبيان لعامة الناس عن نظرتهم الشرعية في مسألة معينة مستعصية على طلبة العلم فضلا عن المقلد الجاهل ويستشهد بعد ذلك بمثل تلك الاستبيانات.
وأغرب ما رأيت في الفترة الأخيرة ما كان في أزمة استجواب الوزيرة الصبيح حيث يرى البعض بوجوب التفريق بين الولاية العامة وطرح الثقة فلا يرون غضاضة فيمن يحرم إعطاء المرأة سلطة الولاية العامة أن يمنحها الثقة رغم ضبابية المسألة، بينما لا يمكنهم التفريق بين من يرى بجواز تصويت المرأة وحرمة ترشيحها زعما منهم أنه تناقض رغم وضوح الفرق، فكانت النتيجة اتهام بعض الكتل بالتلاعب في الدين، بينما المسألة الحقيقية هي تصوير للمشكلة بصورة غير حقيقية لمآرب سياسية أخرى.
إن كان البعض قد يعتريه البؤس واليأس من مجلس الأمة وكثرة صراخه فإني حالي مع الصحافة أكثر، خاصة حين يكتب ويسطر من لا يفي بالأمانة ولا تهمه الأخلاقيات، والله المستعان.