ضاري المطيري
لا أدري ماذا يريد المنادي بالاختلاط؟ وما أهداف المندد بمنع الكتب؟ والى أين يريد الوصول الناقم على أعمال اللجان الرقابية للأفلام السينمائية؟ أريد ان أعرف شيئا واحدا، ان كانت قضية الاختلاط والكتب الممنوعة وتقطيع الأفلام المخلة للحياء قضايا ثانوية لا ينبغي الخوض فيها ولا ان يضيع الوقت من أجلها ولا لمجرد الالتفات اليها على حد زعم البعض، فما بالهم يثيرون هذه القضايا من جديد؟ وما بالهم يلطمون ويشقون الجيوب ويندبون حظهم العاثر بأعضاء المجلس البواسل الذين نذروا انفسهم للدفاع عن أخلاقيات البلد وحفظ الأسر والأفراد من كل ما هو مشين؟ فقضية منع الاختلاط حُسمت منذ أوائل التسعينيات والرقابة على الكتب والأفلام كانت سببا رئيسا في طيران كراسي وزراء كُثر مما يجعل هذه الأمور مسلمات ومنتهية، فلم الجدال بعد؟ أليس كان الأجدر بالمتباكين والنائحين التركيز على الأمور الأهم كما كانوا ينادون بهذا من قبل؟ أم هي مجرد شعارات وقتية وأطروحات جدلية لإثارة الغبار فقط؟ أين هم من قضايا الاقتصاد ومن غلاء السلع الاستهلاكية وأسعار العقارات الملتهبة بدلا من تعليق التدهور الاقتصادي بمنع الحفلات الغنائية، وأين هم من قضايا التعليم الجادة بدلا من تعليق فشل الوضع التعليمي بمنع الاختلاط.
بعضهم يدعي ان حال الكويت مع حقوق الانسان تُفشّل وتدعو الى تغطية الرأس ثم بعد ذلك يزعم ان صورة الكويت تحسنت لدى الغرب فقط مع اعطاء المرأة حقها السياسي، اذن ماذا يجب ان تفعل تلك الشعوب حين تقابلنا وجها لوجه وحكوماتها ملأت السجون بأبرياء دون محاكمة وفتحت سجونا سرية في أرجاء أوروبا الشرقية؟ أليس أجدر بهم ألا يغطوا رؤوسهم فقط بل يدسوها بالتراب كما تفعل النعامة؟ والمضحك في الأمر كله ان دعوى انتهاك حقوق الانسان مازالت تُرمى على الكويت جزافا دون دليل، فما الفائدة اذن؟ ليتنا نصلح من حالنا دونما النظر الى آراء الآخرين.
العجيب في الأمر ان أصحاب هذه الأطروحات الغريبة ينادون بحرية النقد، فكل من يعيش على هذه الأرض قابل للنقد العلني، العالِم قابل للنقد، فَهْم الدين قابل للنقد وهكذا، وبعضهم تطور الأمر معه فصار يصرح ان القرآن قابل للنقد كذلك، لكن الغريب في أمر هؤلاء انهم يعملون وكأنما ذواتهم مصونة من النقد معصومة من الزلل وينزلون على انفسهم هالة من القدسية وكأنهم ملائكة، فتراهم لا يقبلون دعاوى من يرى حظر اختلاط الجنسين بدعوى نزاهة الطلبة ومدى وعيهم، وما أدري أكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخاطب اناسا منحرفين أخلاقيا حين حذر صحبه الكرام من الدخول على النساء فقال: «اياكم والدخول على النساء» ولما سئل عن الحمو ظنا ان حاله أهون وأيسر حيث انه قريب الزوج قال: «الحمو الموت» رواه البخاري، فانظر كيف ان نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) حذر اناسا أطهارا لا يُتصور من أحدهم فاحشة الزنى فضلا عن انتكاسة الفطرة والتعدي على زوجة القريب كالأخ، وأيضا ترى البعض منهم يحذر من المساس بالدستور البشري الصنع وكأنه أعظم قدسية من القرآن الرباني التنزيل.
ولا أدري من أصحاب هذه الأطروحات البالية أهم مغيبون عن الواقع أم يريدون ان يغيبونا معهم؟ وأسوق وقفتين اثنتين قبل نهاية المطاف، فأنصح من شكك في جدوى وأهمية الرقابة على الكتب ان يطلع على بعض الكتب التي لم يَطلها المنع بدعوى الحرية والتي تم تداولها وبيعها في معرض الكويت الدولي للكتاب وفي بعضها سيجد الزندقة والالحاد، والوقفة الثانية هي ما يحدث من البعض القليل في أسواق مارينا مول أو أسواق شرق ما يدعو الى الخجل ويحتاج منا الى ايقافهم عند حدهم والأخذ بأيديهم لأنهم جُهال مساكين، وأقول القليل لأني متفائل ومحسن للظن بأبناء جلدتي، والا فأخلاق الشعب الكويتي راقية وشيمهم عالية ولا يرتضون الا الأخلاق الرفيعة، ألا ترى ان من الشعارات التي تستقطب الجماهير للمرشح هي حين ينادي بحفظ الأخلاق والقضاء على السلوكيات السيئة، مما يدل على ان هذه القضية تشكل هاجسا كبيرا عند الشعب الكويتي المحافظ. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدينا لأحسنها الا انت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا انت.