ضاري المطيري
من الأمثال الدارجة التي تبين حقيقة بغض الإنسان لما ينفعه ولما لا بد له منه قول البعض «الإنسان عدو نفسه» أو قولهم «المرء عدو ما يجهل»، فلو كان الطفل يعلم حقيقة الدواء المر المذاق لما بكى ولما صرخ، حقا فأنت تجد الجاهل يكره مجرد التغير خشية زوال ما عنده، لذلك يذكر في سر كراهية الإنسان للموت: كونه مقبلا على غيب لا يعلمه فلذلك هو يخشاه، أقول مثل هذا الكلام لأني أعتقد جازما أن كثيرا من كتابنا الأفاضل هذه الأيام والذين يتكلمون في الشريعة الإسلامية ومدى ملاءمتها لهذا الزمان لو كلفوا أنفسهم قراءة الكتب الشرعية المتخصصة في هذا الباب لما رأينا منهم هذه «الخربطة» وهذا التخبّط في أمور لا يحسنونها.
فأكثر ما أضحكني في هذا الشأن زعم أحدهم أن القوانين والنظم للدولة لم تكن متحققة في الخلافة الإسلامية، حسب تعريف الدولة بنظره، والسؤال هو إن لم تكن الخلافة الإسلامية دولة بالتعريف الحديث إذن فماذا نسمي أحكام البيوع والربا؟ وماذا عن أحكام النكاح والطلاق والعدة؟ بل ماذا سنقول عن أحكام المواريث المتكاملة العادلة؟ ولمن ينكر السياسة الدينية عليه بالمصنفات الكبار المشهورة التي تخصصت في الحديث عن السياسة الشرعية وبيانها البيان الشافي الوافي، لكن كما قلت مشكلتنا تكمن في عدم القراءة.
أما من يظن أن الإسلام أو دولة الخلافة أو الدولة الدينية، كما يحلو للبعض تسميتها لا تواكب التغيرات فعليه بقراءة سيرة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) وخلفائه الراشدين التي تؤصل مبدأ الاجتهاد ما لم يخالف النص ووافق مصلحة المسلمين، فهاهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يأخذ بمشورة سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) في حفر الخندق وهي خطة عسكرية فارسية، وفي الزراعة أمر ( صلى الله عليه وسلم ) بعدم تلقيح النخل في بداية الأمر ثم سمح بذلك واعتذر بقوله «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، وأبوبكر الصديق ( رضي الله عنه )أمر بجمع المصحف رغم عدم جمعه في عهد النبوة مواكبة للأحداث التي ألمت بالمسلمين من مقتل كثير من الحفاظ في معارك المرتدين، وعمر الفاروق ( رضي الله عنه )أتى بنظام الدواوين من بلاد الفرس أيضا وأتى بفكرة صكوك النقد من بلاد الروم، بل أكبر من ذلك كتابة العلماء للحديث وجمعهم له رغم نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) الصريح عن ذلك وهو ما يؤكد أن الدين الإسلامي يؤمن بالمتغيرات وبقاعدة المصالح والمفاسد فقد خُشي من جمع الحديث في بداية الإسلام حتى لا يختلط مع القرآن وبعد استقرار الأمور واتضاحها وزوال اللبس أتى الجواز لكن أين من يقرأ السير ويستلهم العبر والحكم؟!
المصيبة أن من لا يريد الشريعة أو كما يزعم لا يريد دولة إسلامية هو نفسه لا يرتضي الديموقراطية التي تخالف مشتهاه وهواه بل يحاربها ويسعى جاهدا الى وأدها، إن كانت الشريعة والتحاكم إليها دعوى باطلة بزعم أن من يدعو إليها أمثال بن لادن أو الظواهري أو غيرهم من الإرهابيين فليكن الأمر إذن سواء ولترفض الديموقراطية التي يدعو إليها الغرب المستعمر ولترد الحرية التي تتغنى بها إسرائيل المحتلة، ومن أكثر ما أدهشني أن يجعل البعض مفهوم الدين مقصورا على الإيمان بوجود الله فبذلك إذن يكون إبليس اللعين أقوى إيمانا مني ومنك حيث انه رأى الله وآمن بوجوده لكنه لم يعبده بطاعته وسجوده تلبية لأمره، فتعالى الله عما يقولون.
أخيرا أقول نحن لا نريد قوانين تعالج النتائج الإجرامية من قتل واغتصاب ولا تعالج أسبابها، فالناظر إلى الأحداث الإجرامية الأخيرة يجد أنها ناتجة عن أصحاب سوابق لم يجدوا قوانين تردعهم وتوقفهم عند حدهم وكما قالوا «من أمن العقوبة أساء الأدب»، فللأسف أن قتلة «آمنة» لم ينالوا القصاص العادل إلا بعد أكثر من سنة على جريمتهم، وقاتل «كريمة» صاحب سوابق كان يجوب الشوارع والأسواق دون رقيب، هذه أمثلة قليلة جدا نالت حقها في القصاص العادل بعد طول مدة دون مراعاة أسبابها والعمل على عدم وقوعها في المستقبل، ولولا البعد الإعلامي لها لما تحقق القصاص المطلوب فكيف إذن يأمن رب الأسرة في بيته وهذه هي حال الشوارع؟!
لا نريد دولة دينية بالمقاييس المغلوطة التي يذكرها بعض الغلاة المنحرفين الذين نشروا فقه القتل والإبادة ولا نريد دولة إسلامية بالمفهوم المغلوط الذي يدعو إلى الانكفاء على النفس وعدم مواكبة الحداثة، نريدها وبصوت عال دولة تقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمفهوم الإسلامي الداعي للتسامح والألفة، نريدها دولة كدولة الخلفاء أو الأمويين أو العباسيين على ما شاب بعضها من قصور، ولا نذهب بعيدا فالمملكة العربية السعودية تعد نموذجا عصريا ناجحا رغم كل الحاقدين، وغصة في حلوق المشككين، نريد إحياء لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.