ضاري المطيري
تساؤلات كثيرة يطرحها المتتبع للأحداث الجديدة والمطالبات الأخيرة لبعض القوى السياسية والتي تنشد العدالة في الدائرة الواحدة وثانية تراها في العشر وثالثة تراها في العودة إلى الخمس والعشرين، ومن هذه التساؤلات أين كنتم حين رُفع البيرق البرتقالي؟ أين كانت هذه الأطروحات حين رُبط الإصلاح بإقرار الخمس؟ ألم تكونوا ممن صفق وهلل للذين احتلوا منصة المجلس من أجل فرض نظام الدوائر الخمس؟ إذا كان صَفْوة ومن عِلية القوم ومن لهم باع طويل في السياسة يتذبذبون بهذه الطريقة ويتقلبون بهذه السرعة إذن «فما بال الناخب الذي لا يدري وين الله قاطه»، ما موقفه من كل هذه التصريحات والمناشدات وهو ناخب لا يعرف عن السياسة سوى اليوم الذي يأتي فيه المرشح ليخطب ودّه ويشحذ صوته، والله لقد وضعتم الشارع الكويتي في حيص بيص.
لا أظن أن من ناقض نفسه اليوم بما أقره بالأمس أن تناقضه ينم عن نية صالحة، بل على العكس، حيث سيجعل محبيه وناخبيه ينفضون منه اليد ويكبرون عليه أربعا إيذانا بموته سياسيا وفكريا، ليبرهن لنا اليوم من ناقض نفسه وناقض دعاواه أنه يريد الصدق مع الكويت بدعوتين متناقضتين، قليلا قليلا من التؤدة والأناة حتى يعقل الناس ما يحدث في الساحة وما يدور حولهم وإلا فكيف يتغير تَصوّر الأمور وفهمها بين ليلة وضحاها، فسبحان الله مقلب القلوب والأبصار.
أين ما يُسمى بجمعيات النفع العام أو ما يسمى بالقوى السياسية والتي كرست ونصّبت نفسها لحماية الحقوق والذود عن الحريات؟ فبيع كتب التعدي على الله ورسوله حرية، والسماح بعرض الأفلام والمقاطع المشينة في دور السينما حرية، والتبرج والسفور المبتذل حرية، والرقص والهز في حفلات الغناء والمسخرة الزائدة حرية، وتعليم الأطفال وتنشئتهم على الاختلاط والموسيقى حرية، كل هذه الأمور تعتبر في نظرهم حرية تعلو وتسمو فوق كل شيء حتى القانون الذي يُجرمها ويعاقب عليها، فما قولهم إذن فيمن ينشد الحرية في إقامة «تشاورية» أو حتى «فرعية» مجرمة صراحة، بدعوى ضمان مقاعد برلمانية لأبناء عمومته وقبيلته لتحفظ له ولهم حقوقهم، كفانا كيلا بمكيالين، أليس هناك شبه بين نظام الكوتا والفرعية يا أيها العقلاء؟ فالنتيجة واحدة فالأولى تحتم نجاح المرأة ولو على حساب من هو أكفأ منها من الرجال، والفرعية تحتم نجاح القبلي ولو على حساب من هو أكفأ منه من خارج القبيلة، مع ذلك كله، فالفرعية أخف حالا وأهون مصابا من الكوتا الظالمة الجائرة، فالفرعية تكون عن تراض مسبق بين أفراد القبيلة والمطالبون بها كثيرون، بينما الكوتا سيئة الذكر لا ترتضي الأكثرية من عقلاء النساء ولا أدل على هذا من ذهاب معظم أصواتهن إلى إخوانهن الرجال.
وين الحكومة؟
أعجبني ما ذُكر على لسان النائب السابق ضيف الله بورمية في ساحة الإرادة بما معناه أن الحكومة الذي كانت في السابق ترمي إخفاقاتها المتعاقبة على عاتق المجلس هي الآن وفي الوقت الذي خلت فيه من رقابة وتعنت المجلس المزعوم وتفردت بالقوانين والمراسيم لم نر منها سوى الاحتقان السياسي والبلبلة في البلاد وتخبط القوانين والتصريحات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.