ضاري المطيري
اختلف أهل العلم فيمن كان أول من جمع قواعد علم الحديث، أهو ابن الصلاح أم غيره؟ واختلفوا في تعريف الحديث الحسن؟ واجتهد العلماء من الصحابة إلى التابعين وتابعي التابعين في تحري أخذ الحديث من مصادره الموثوقة من الرجال العدول الذين عرفوا بكثرة الرواية وعُلم من حالهم الثقة والآمانة، فألفت كتب الجرح والتعديل منذ القرن الثاني للهجرة تقريبا، وتطور الأمر حتى أكرم الله هذه الأمة بصحيحي البخاري ومسلم واللذين أجمعت الأمة على صحتهما، والأمة لا تجتمع جميعها على ضلالة وهذا من حفظ الله لدينه، ووضع العلماء قواعد وشروطا لقبول الحديث معروفة لكل من درس مبادئ مصطلح الحديث وهي اتصال السند وعدالة الرواة والخلو من الشذوذ والعلة على تفصيل يطول ذكره، وإنما كان اختلاف العلماء ببعض هذ الشروط دلالة على حرص ودقة العلماء الأولين في قبول الحديث وتشددهم في الرجال فإن لم تُعرف عدالة الراوي ولم يجزم بها رد حديثه عليه، فتخيل معي أيها القارئ ستة قرون والعلماء يعملون على هذه الشروط وتحظى بالقبول ثم يأتينا بعد ذلك من ينادي إلى تنقية السنة من جديد، وما أجمل هذه الدعوة لكن ما أقبح مغزاها، فكيف يا ترى ستكون التنقية والتصفية أبالمزاج؟ أم بعقل ذلك الإنسان القاصر؟ ما المعايير المعتبرة في ذلك؟ هل لها مصادر موثوقة ومراجع معتبرة؟ أم المسألة لا تعدو أن تكون تشكيكا في ثوابت الأمة الرصينة؟
هم يطلقون على أنفسهم مفكرين أو عقلاء أو أصحاب رأي وهم أبعد ما يكونون عن حقيقة هذا المسمى، فهم حين أفلسوا من العلم ومشاقه ولم يصبروا على مزاحمة العلماء على الركب وأنفوا من قطع الوديان والقِفار سفرا وترحالا من أجل تتبع حديث واحد اختلقوا لأنفسهم مسميات لا تحتاج إلى مؤهلات شرعية مسبقة ولا لتزكية من علماء موثوقين إنما يكفيها وجود القلم وحضور الخيال والجرأة على طرح الأفكار الشيطانية، وما أدري أي فكر يريدون؟ وأي عقل يَعنون؟ عقل فلان أم فلان أم عقلي أم عقلك؟ ولن تجد في الأرض الواسعة ولو عقلين فقط يتفقان في التصور والحكم على الأمور، وما أدري ما الرأي الذي يريدونه؟ وعمر يقول (اتهموا الرأي على الدين) مدللا على أن رأيه لصلح الحديبية كان بخلاف النص النبوي ورغم ذلك اتبع النص ورمى بالرأي خلفه فرضي الله عنه.
نعم لقد حثنا الإسلام على العقل والتعقل، ومن العقل التسليم لله في الأمور الغيبية والحِكم التكليفية فهو أعلم بما ينفع الإنسان من الإنسان نفسه، ما العيب أن يقال إن المهندس صانع السيارة هو أعلم بما يضرها وبما ينفعها من غيره من العقول الصغيرة المتكبرة التي أعجبت بنفسها وأخذها التيه والغرور، فللأسف كلما قارعت بعض هؤلاء من أهل الأهواء بالحجة والنص ووجد في نفسه شحا في العلم الشرعي وقلة في الإطلاع على السير والتاريخ راح يلوح لك بالعقل والمنطق، فكيف يراد منا التحاكم إلى عقل ومنطق لم يُبنيا على قواعد وأسس صحيحة؟!
العجيب أن بعض من يتسمّون بالمفكرين هذه الأيام قد يصدقون بعض الإشاعات وتنطلي عليهم بعض الأكاذيب والتي لو عرضت على شروط العلماء في صحة الرواية لنالت أسوأ الدرجات في الضعف والوضع، بينما يشككون في صحة أحاديث نبوية شريفة بأسانيد متعددة صحيحة نالت القبول عند عامة علماء المسلمين وإجماع الأمة وذلك عبر قرون طويلة، وهم إنما يشككون في بعض أحاديث السنة لضعف عقولهم في إدراك فهمها، والله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فياليتهم كلفوا أجسادهم المتكاسلة لسؤال العلماء الربانيين عن كل ما أشكل عليهم ليجدوا الشفاء للشبهات التي أمرضت قلوبهم وأرادوا نقل عدواهم إلى بقية المسلمين وكما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) «شفاء العي السؤال».
في ختام حديثي أتساءل: كيف نؤمن بفكرة وطرح جديد يزعم بعضهم أنه صحيح وغفلت عنه عهود وعصور وقرون وأجيال إسلامية مشهود لها بالخيرية ولم تدر به ولم تفطن إليه؟ كيف نضعف حديثا ولا نعمل به بدعوى أنه يخالف العقل؟ فما الحيلة إن تغير العقل لاحقا مع هذه التكنولوجيا المعلوماتية الهائلة والمتنامية؟ هل سنضعف من الأحاديث أيضا؟ أم نَرجع فنصحح ما ضعفناه من قبل؟ ويصبح ما كان حلالا بالأمس حراما اليوم، وما كان حراما بالأمس يصبح اليوم حلالا، وكل يأتي بدين جديد ويزعم أنه يوافق العقل لكن عقل من؟ فأقول الحمد لله الذي أثنى على عباده في مطلع سورة البقرة بأنهم يؤمنون بالغيب، فالمسلم يؤمن بالله وإن لم يره، ومن أراد معرفة سبب كتابة هذا المقال فعليه بالاطلاع على ضيف البرنامج الحواري (إضاءات) في العربية على النت للأسبوع المنصرم، فبرنامج إضاءات أجد فيه من الحيادية الحقيقية التي افتقدتها البرامج الحوارية الكثيرة في تلفزيون الكويت وللأسف.