ضاري المطيري
البعض يفسر الأمور على مشتهاه وبحسب مزاجه وهواه، فإن كان المرشح أو العضو الذي يحبه حكوميا رأى بهذا الوصف زيادة مزية وفضيلة، فحكومي تعني عنده القوة والجرأة وتخليص المعاملات المستعصية، بينما الآخر يفسر الحكومي بالمحترق الذي ليس بيده القرار، وترى البعض يفسر الأشياء بمتناقضات في الوقت نفسه ولا حرج عنده بحسب مستوى رضاه عن الآخرين، فعنده المعارض مثلا يعني القوي، بينما في حين آخر المعارض يعني الإنسان المُحارَب الضعيف والمعرض للسقوط والخسارة، وعلى هذا المنوال فقس، فمن له إعلانات صحافية وحضور إعلامي فهو يعني عند البعض أنه قوي ومرتب و«مشتغل زين» بينما الآخر يفسرها بقوله «له إعلانات يعني عنده فلوس ويشتري أصوات ويبي يبوق الكويت من الحين»، البعض يقول «هذا مطوّع دين يعني ناجح لأنه صاحب سمعة مشرفة» والآخر يقول «مطوع يعني راح يقلم من لحيته ويغير من هندامه وبالتالي ستتغير ذمته ومبادئه»، البعض يرى في الإنسان الطائفي أن هذا الوصف يعني القوة لأن الطائفة تكون مجمعة عليه وانها سبب مهم جدا في نجاحه بينما يرى أخر أنه طائفي بمعنى حظوظه ضعيفة حيث سيحرم من الطائفة الأخرى، وهكذا، فيرى البعض العضو الفقير غني النفس شريفا، بينما يراه آخرون أنه بصدد مشروع إثراء كبير يحمله من قعر الفقر إلى قمة الغنى، البعض يرى في المرشح الغني أنه شبعان ليس في نيته ولا خاطره السرقة إطلاقا، بينما يراه آخرون غير ذلك تماما فيفسرون الأمر على أنه طمّاع «يريد أن يحوش على كل شيء ويملأ بطنه له ولعياله».
عندما تكسرت نوافذ وأبواب بعض مكتبات حولي السنية نسبها البعض قبل ان تُكشف الحقيقة إلى جهات في الطائفة الشيعية بينما ذهب آخرون إلى العكس في هذا الأمر تماما حيث رأوا أن الفاعل يريد إذكاء الفتنة بين الطائفتين.
ثم توزع رسائل طائفية في الدائرة الأولى في الانتخابات الماضية فتنسب الرسائل إلى طائفة بعينها من باب إحياء الطائفية ولا نجد من يقول العكس وغير هذا الكلام ولعل المتسبب الحقيقي وراءها يريد إذكاء الفتنة بين الطائفتين.
ومازلت أرى أن الشائعة من السهل جدا أن يمجها العقل ويرفضها الوعي مهما بلغت من أمارات وبراهين هي في حقيقتها لا تعدو أن تكون ظنونا وأحاديث جرائد وسمر أسفار وسوالف آخر الليل لقضاء الوقت لا أكثر ولا أقل، فهاهي السيدة عائشة رضي الله عنها الحميراء حبيبة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) تأتي أمام الناس في الظهيرة على الهودج فوق الجمل يجره صفوان بن المعطل ( رضي الله عنه ) فخاض الناس في أمرهما وتحدثا في عرضهما وكانت هذه هي حادثة الإفك الشهيرة، لكن العقلاء من المؤمنين أخذوا الأمر بسلامة القلب وحسن النية ففازوا بامتثالهم لقول رب العزة (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين)، وبهذا علمنا الإسلام ألا نحكم على الأمور العظام إلا ببينة قاطعة مع إحسان الظن والتثبت في النقل، مع هذا كله نجد من يتكلم في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها من الأشقياء إلى الآن.
إن ما تحدثت به الجرائد في الأيام الماضية عن حقيقة ما دار في اجتماع سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد مع النائب خالد سلطان بن عيسى يعد احدى صور الشائعات التي تروجها الجرائد، وعلى الرغم من تناقض الشائعة الصريحة وهي كيف يعقل أن يهدد ويتوعد وفي الوقت نفسه يطلب ويسأل الدعم والتأييد؟ فالبرغم من عدم وجود البينة في الخبر بل وتوافر التناقض الصارخ في نقل الخبر لم تتغير قناعات بعض السذج بحقيقة الأمر فمازال البعض يكيل الاتهامات إلى أهل النصيحة والفضل حتى بعد إنكارهم الصريح لما حدث في الاجتماع، ألا يذكرنا هذا بحادثة الإفك التي لا يزال البعض يتكلم فيها رغم افتقارها للأدلة علاوة على البرهان الرباني القاطع في براءة السيدة عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (أولئك مبرءون مما يقولون) فلا أظن أن الأخ خالد السلطان أعظم قدرا من زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم )، فلك يا خالد في الصالحين أسوة حسنة.