iشيخ من ربع «ما يطلبه المستفتون»، اشتهر بوسطيته التي تقضي بأن يجيب كل مستفت في قضايا فقهية بذكر سيل جارف من أقوال الفقهاء، بنظام فرد العضلات، فيأتي بالأقوال الصحيحة والشاذة، والراجحة والمرجوحة، المستندة إلى نص شرعي صحيح، والمستندة إلى أحاديث لا تصح، ولسان حاله يقول «هذه الأقوال، فاختر ما يناسبك»، بالعربي كل الخلاف وإن لم يكن معتبرا يراه مصدر تشريع وحجة بنفسه، وهذا ما لم يقل به أحد من أهل العلم إطلاقا.
الشاهد أنه يعظم كل خلاف، ومع ذلك في قضية الفتن التي نعيشها في الصيف العربي الحار، أو ما اصطلح الغرب على تسميته «الربيع العربي»، فهو يضرب بعرض الحائط أقوال كبار العلماء، ويخالف منهجهم في اعتزال الفتن، والتعامل مع ولاة الأمر العادل منهم والظالم، فيزعم هداه الله إجماع الفقهاء على وجوب الخروج على مبارك والقذافي وبشار وبن علي لظهور الكفر البواح منهم، إجماع مرة وحدة، يعني «ماكو خيارات»، يعني قبل انتحار بو عزيزي ـ رحمه الله ـ حرقا هل كانت جميع الشعوب العربية آثمة مثلا؟ وماذا عن الآخرين ممن لم تقم في بلادهم ثورات كالجزائر والسودان؟
المصيبة أن الحكام الذين أتحفظ على تكفير بعضهم دون بعض، يشترط للخروج عليهم أن تكون للشعوب القدرة على الإطاحة بهم، وسؤالي له لن يكون حول أحداث اليوم الملتبسة على الكثيرين في مصر وتونس وليبيا و.. و.. و، لأنه سيكابر قطعا في الحقائق الأليمة التي تكبدها المستضعفون من هذه الأمة، وإنما سؤالي هو «هل خروج (الإخوان المسلمون) في حماة ضد نظام الأسد النصيري أول الثمانينيات، والذي أعقبه مجازر جماعية بالآلاف خروج شرعي أم ماذا؟»، ثم من يحدد المصلحة الراجحة في الخروج؟ وما معيار قدرة الشعوب على الإطاحة بالظالم؟
مصيبتنا هي ليست تقرير الشروط الشرعية العامة في الخروج على الحاكم الجائر، بل في مزاجية البعض في تحديد المصلحة، وعدم الاعتبار بالتاريخ الشاهد على الثورات التي ما زادت الأمة إلا وهنا على وهن، فمازال البعض يخلط بين الجهاد الشرعي وإلقاء النفس بالتهلكة، ويخلط بين إنكار المنكر والتشهير بأخطاء الحكام.
باختصار: كل مسببات الخروج على الحكام في العصر الحاضر مشابهة إلى حد كبير لمسببات أول خروج وقع في الأمة على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بدافع رفع الظلم وطلب العدالة، فتظاهر حول بيته جموع من العراق ومصر أياما لتحقيق مطلبهم في تنحيه، ثم تطور الأمر إلى قتله واستشهاده وفتح باب الفتن الذي لم يغلق إلى الآن.
dhari_almutair@