ضاري المطيري
كان عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ممن ذهلوا وصعقوا بخبر وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بلغ به الأمر أن قال: «والله ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم»، لكن لما قام أبوبكر ( رضي الله عنه ) وصعد المنبر وقال: «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)، قال حينها عمر ( رضي الله عنه ): «فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ»، فانظر كيف غابت هذه الآية عن الفاروق عمر أو غفل عنها برهة من الزمن، والمؤرخون أجمعوا على ان عمر بن الخطاب قد شهد المشاهد جميعها مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يغب عن واحدة منها.
مثل هذه القصة العجيبة والمثيرة حدثت معي، لكن بصورة مغايرة هذه المرة، وذلك حين صلى ورائي ذات يوم أحد الدعاة القدامى الذين شابت رؤوسهم في الخير والدعوة فقال لي بعدما خرجنا من المسجد «الآيات التي قرأتها في صلاة العشاء كأني أول مرة أسمع بها من جمالها وقوة وصفها، فأين أجد تلك الآيات؟» فأجبته مندهشا ان الآيات تقع في الجزء الأول من سورة البقرة، فعجبت في نفسي كيف تخفى أوائل آيات سورة البقرة على مثله؟ فسبحان الله.
شفاء العي السؤال
يقول الله تعال: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذابٌ أليم - إبراهيم 22)، هذه الآية تسمى خطبة إبليس، ذكر الحسن البصري كما في القرطبي أن إبليس يقف يوم القيامة خطيبا في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعا، وقيل انه يخطب خطبته هذه بعدما يسمع أهل النار يلومونه ويقرعونه على أن أغواهم حتى دخلوا النار ، فيقول لهم: إن الله وعدكم وعد الحق، أي وعدكم وعدا حقا بأن يثيب المطيع ويعاقب العاصي فوفى لكم وعده، ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم ألا بعث ولا ثواب ولا عقاب فكذبتكم وأخلفتكم الوعد، وما كان لي عليكم من سلطان، أي لم يكن لي قدرة وتسلط عليكم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي بالوسوسة والتزيين فاستجبتم لي باختياركم، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، أي لا ترجعوا باللوم علي اليوم ولكن لوموا أنفسكم فالذنب ذنبكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، أي ما أنا بمغيثكم ولا أنتم بمغيثي من عذاب الله، إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي كفرت بإشراككم لي مع الله في الطاعة، إن الظالمين لهم عذاب أليم، أي أن المشركين لهم عذاب مؤلم ، فهكذا يكشف إبليس عن عداوته لابن آدم ويعترف بخذلانه له ليزيده حسرة وندما.
أهدي هذا المقال وهذا البيان إلى الكاتب والزميل صالح الشايجي إجابة على مقاله المعنون بـ «إجازة الجمعة» المنشور بتاريخ 29 الماضي، وللتأكد مما ذكرت لمن ليس لديه أساسيات كتب العلم وأمهات المصنفات الإسلامية فلا يكلف نفسه عناء البحث أو الشراء أو الاستعارة، إنما عليه كتابة كلمتين فقط «خطبة إبليس» على موقع google ليرى سيل النوافذ والوصلات المنبثقة إلى مواقع الكتب الإسلامية الكبرى ليطلع على صحة المصادر التي اعتمدتها، ويبقى أن نردد قول الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم).