ضـاري المطيري
لماذا الهجمة المتكررة على صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتي تأتي كل فترة وأخرى؟! تستعر حينا وتخبو حينا آخر، ما السر من ورائها؟ أهو الحقد أم الجهل؟ أوليس هناك رادع قانوني أو وازع إيماني على الأقل يوقفها أو يحد منها؟ أليس فينا رجل رشيد يوقف مثل هذا التعدي على رموز الإسلام وحفظة الوحي وحملة الدين؟ أين المتذمرون من الطائفية والتعصب والتعنت من هذا التعدي الصارخ؟! لقد أدرك المنافقون الأوائل حين أرادوا هدم الدين أن الطريقة المثلى لهدمه تكمن في إلغاء رمزه والتشكيك في مصداقية حامله لتنقطع حلقة الوصل بين الدين وأتباعه، فلم يجدوا مثل هدم رمزه الأكبر وهو الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وسلم ) فاتهموا عرضه واختلقوا حادثة الإفك الشهيرة وطعنوا في شرف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أجمعين، لكن صنيعهم لم يدم ولم يتم بل باء بالخسران والبوار بتأييد من الرحمن، فأتى بعد ذلك المنافقون الجدد ليكملوا ما ابتدأه رأس المنافقين عبدالله بن أبي ابن سلول فأرادوا أن يقطعوا الحبل الموثوق بين الإسلام والمسلمين وذلك بالطعن والتشكيك في عدالة صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للتزهيد في أحاديث السنة التي رووها.
البعض للأسف استمرأ التعدي على صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من باب «فلتكن الحقيقة رائدنا»، يحرث وينبش ما تورع الكثيرون عن الكلام فيه من الفتنة التي حدثت بين الصحابة وأئمة الإسلام ، متجاهلا وصية الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين قال «تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا»، ومما استمرأه بعض الكتاب والصحافيين للأسف في الآونة الأخيرة اللمز أو الطعن في خال المؤمنين الهادي المهدي معاوية ( رضي الله عنه ) ومحاولة إخراجه من الحسبة، كما يقال، وأحسنهم حالا من يأتي باللمز لمعاوية من مسافة بعيدة مما يستجلب الضحك والعجب حيث يأتي بأحاديث ثناء ومدح معاوية بن أبي سفيان لعلي بن أبي طالب، وهي حق، مدللا على أفضلية علي على معاوية والتي لا يماري فيها أحد لا من السنة ولا من الشيعة بينما كان من المفترض أن ذلك المديح والثناء هو دليل ورد على من يزعم كره معاوية لعلي وهما رضي الله عنهما من ذلك براء، فهما من أئمة الإسلام ومن كتاب الوحي.
التقريب بين المسلمين: البعض يدعو إلى الألفة والمودة بين السنة والشيعة ويرى أن التقارب بينهم ممكن ومتيسر، لكنه في الوقت نفسه يختزل الطائفة الشيعية في شخصية علي ( رضي الله عنه ) ويختزل الطائفة السنية في شخصية معاوية ( رضي الله عنه ) ويرى أن الخصومة التي تمت بين الإمامين لا يمكن التغاضي عنها ولا يمكن تصور أنها تصدر من اثنين يدينان بدين واحد، أليس في هذا تناقض صارخ؟! فإذا صعب وامتنع الجمع بين الإمامين والقائدين فكيف يسهل الجمع بين الأتباع وهم أقل إدراكا وفقها وورعا من قادتهم وفقهائهم؟! فلا يمكن وضع العربة أمام الحصان، ولا يمكن تصور أن التلميذ هنا أفقه من شيخه وإمامه، ونقول لمن لا يستبعد توحد السنة والشيعة وبالمقابل يستبعد توحد آل البيت والأصحاب: أنحن خير من تلك الأمة التي قال فيها ( صلى الله عليه وسلم ) «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»؟ أنحن خير من أمة فتحت الفتوحات والأمصار وأخضعت الكفار بينما نحن في تشرذم وتفرق وخنوع وجبن مستمر؟!
فإن سألتني عن رأيي وما أدين به فهو أن وحدة المسلمين ضرورية ولا مناص عنها وخاصة إذا أردنا الانتصار على الأعداء، ولنعلم أن الوحدة لا يمكن أن تقوم على الطعن في حملة الوحي واللمز للأئمة الدين، وأدلل على ما ذهبت إليه من إمكانية الوحدة بين المسلمين عموما وحرص الصحابة والآل على الاجتماع بما شجر بين الصحابة ولا أقول بين الآل والصحابة فانتبه أيها القارئ ، فما شجر بين الصحابة من حروب وقتل وسفك للدماء لم يكن سببا في القطيعة الأبدية بين الجيشين المسلمين بل شرح الله صدورهم وألف بين قلوبهم، فكان أن توحد الجيشان جيش العراق وجيش الشام تحت راية معاوية ( رضي الله عنه ) بفضل الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) سبط رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وريحانته رغم فضله على معاوية في الدين لأنه أدرك أن توحيد المسلمين ولو تحت راية غير رايته خير للأمة وأصلح، وأن الخلافات الأخرى يمكن حلها والتغاضي عنها ، فإذا تأمل الشيعة والسنة ما حدث في ذلك العام، عام الجماعة، وفهموا ما كان بين الصحابة من خلاف والذي لا يعدو أن يكون خلافا يقع بين إخوان وأحباب، أدركوا حقا أنهم بشر يطرأ عليهم الخطأ والزلل وليس هناك عصمة إلا للأنبياء، ومن يدع أن الإخوة لا يطرأ بينهم الاقتتال فعليه بقراءة سورة الحجرات من قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..) إلى قوله (إنما المؤمنون إخوة) فسمى الله فئتين من المسلمين تقتتلان فيما بينهما بمسمى الإيمان الذي هو أعلى مرتبة من الإسلام، وذكر بعد ذلك أن المؤمن أخو المؤمن في نهاية الأمر.