ضاري المطيري
حضرت ندوة «الاقتصاد في الوضع الراهن» التي دارت حول الأزمة المالية العالمية في مبنى جمعية إحياء التراث الإسلامي وحاضر فيها اقتصاديون مختصون وعلماء شرعيون، ورغم قلة بضاعتي في شؤون الاقتصاد إلا أنني لاحظت أن كل شروط البيع المذكورة في كتب الفقهاء التي تعلمناها في المساجد والدورات العلمية تتعارض تماما مع تعاملات الأسواق المالية وخاصة الغربية منها، فالربا المضاعف مستشر، وبيع الشركات لما لا تملك هو السمة البارزة، وبيع الدين بالدين هو غالب التعاملات في البورصة، والغرر والغش والجشع يتنافس فيه المتداولون الكبار دون رقابة، وكل تلك المنهيات الشرعية التي ارتكبت كانت وراء ما نحن فيه من أزمة لا تعرف آخرتها بشهادة كبار الاقتصاديين الغربيين، لذلك أعجب ممن كان يزعم في الماضي أن الإسلام لا يصلح لكل زمان، وأن هذا الدين ليس فيه نظم اقتصادية كاملة، فإن كان لم يقرأ كتب الفقه فتلك مصيبته وإن كان قرأها وعاند ما جاء فيها فالمصيبة أعظم.
لكل عقيدة تأثير ولكل عمل نتيجة، إذ هي سنة الله التي أجرى بها الكون وأحداثه وأخبر عنها سبحانه حيث قال (ولن تجد لسنة الله تبديلا)، ولقد غفل كثير من المسلمين عن حقيقة هذا القانون، فراحوا عند كل بلية وفتنة يندبون حظهم التعيس ويلقون بالتبعية والمسؤولية على أي شيء آخر عدا أنفسهم وما يكسبون، ويتناسون قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، ولقد وجد البعض ضالتهم في وزير التجارة أحمد باقر ليصبوا عليه جام غضبهم نتيجة ما جنته أيديهم من تهور وسوء تدبير وإضاعة للمسؤولية.
نعم «الإسلام هو الحل»، فعلى من عاند أمر الله في نهيه عن الربا أن يأذن بحرب من الله ورسوله على عناده ومكابرته، فليتهم يشنون حربا عالمية جديدة، ولست أقصد حربا عالمية ثالثة لكني أعني حربا على الربا كالحرب على الإرهاب المزعوم، خاصة أن الأخيرة أتت لنصرة الإنسانية بينما الأولى هي الإنسانية بعينها، فالنظم الرأسمالية تعتني برأس المال أكثر من الإنسان نفسه، لذلك تجد أن الأطنان الكثيرة من الأرز والقمح ترمى في البحار طلبا لارتفاع الأسعار أو ثبات الأسواق، بينما فقراء العالم يتضورون جوعا.
لذا أتوقع أن يعود العالم إلى النظام الاقتصادي الإسلامي قريبا، بعد أن رأى كوارث الربا، لكننا نحن متى نعود إليه؟ فهل ننتظر انتشار الأمراض والتفكك الأسري وضياع الأنساب مثلا حتى نعود إلى الحجاب؟ وهل ننتظر أن نصاب بالقلق والاكتئاب حتى نعود إلى الصلاة ومناجاة الرحمن؟
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على المطوع والملتحي، ولا على خطيب المسجد أو الإمام، بل هو أمر واجب على كل مسلم في بيته وفي حدود مسؤولياته، ولعل هذا ما أدركه أعضاء مجلس الأمة حين أفسحوا المجال للنائبين الفاضلين صالح الملا وعلي الراشد وزكوهما لعضوية لجنة دراسة الظواهر السلبية، فهذه اللجنة نالت في إقرارها تصويت الغالبية مع سقوط لجان أخرى كلجنة الإسكان والبدون والمرأة والبيئة مما يؤكد نجاحها وأهمية عملها، فنتمنى أن نجد الراشد والملا على رأس القوائم الناجحة في الانتخابات القادمة، حيث إن اللجنة عودت أعضاءها ألا تخيبهم عند ناخبيهم كما فعلت في السابق، ونرجو ألا يكون دخولهما الى اللجنة لمجرد التشويش وتخريب العملية الديموقراطية، كما نرجو ألا يتراجع الأخ علي الراشد عن قناعته كمثل تراجعه في تصويته لمقترح منع عمل المرأة بعد الثامنة (فإذا عزمت فتوكل على الله).