ضاري المطيري
نزل من السماء، أو كأنما هو من جيل صحابة رسول الله، فعن أي خلق وزهد وورع أتحدث؟ أو عن أي أدب وعلم ودعوة وصبر أتكلم؟
فالذي يروي لك سيرة الإمام أحمد لابد له من أن يذكر محنته في فتنة خلق القرآن، وكيف صبر، وكيف تحمل الجلد وتجلد، وكيف قيد بالسلاسل وحبس في السجن في سبيل ألا ينطق بالقول بخلق القرآن، واللافت للنظر أنه لم يتذرع كغيره من علماء عصره بالإكراه والعذاب الذي لاقاه من الخلفاء العباسيين كالمؤتمن والمعتصم والواثق بالله كي يوافقهم فيما ذهبوا إليه.
فقبل أيام وأنا أتصفح سيرة الإمام أحمد تساءلت، وحق لي التساؤل، ماذا لو كان الإمام أحمد بن حنبل وخصومه من المعتزلة كوزير المعتصم محمد الزيات والقاضي أحمد بن داود وبشر المريسي متواجدين بيننا في الكويت، أظن أن البعض سيقول للإمام أحمد عبر الصحافة خاصة «لا تتشدد ولا تتنطع ولا تتشدق، والقرآن مخلوق أو كلام الله ليس فيه شيء»، أو يقول آخر «يأحمد الحديث في أسماء الله وصفاته إنما هو قشور وعلينا باللب»، وستسمع أيضا من يصف الخوض في هذه الأمور بالتفاهات والترهات ويواجهها بالاستهزاء والاستهتار، وسيخرج علينا من يولول ويصيح قائلا «هذه مسائل تشق الصف وتضر بالوحدة الوطنية وتؤثر على القومية العربية» وخذ من هذا الكلام الذي لا ينتهي والذي لا يكاد يصدر إلا من جاهل أو حاقد.
وهذا التخوف الذي أوردته لم يأت من فراغ، فمثل هذا الكلام بالتحديد سمعناه قبل سنوات، ونسمعه أحيانا عبر التلميح، إضافة إلى أن الفكرة نفسها تعرض علينا يوميا عبر أشكال عديدة، مثل قضايا رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، أو تعريف الصحابة وحرمة سبهم، أو حكم الطواف حول القبور، أو مسائل الحاكمية أو تحريف القرآن والاحتجاج بالسنة وغيرها وغيرها من مسائل العقائد التي لا تحتمل القسمة على اثنين.
فالإمام أحمد يدرك جيدا أن باب الأسماء والصفات يعدل ثلث القرآن، فالقرآن ثلثه أحكام وثلث قصص وثلث أسماء الله وصفاته، فكيف إذن نعطل أو نتساهل في ثلث القرآن، أضف إلى ذلك أن الله كثيرا ما كان يعيب على اليهود وصفهم السيئ له كقولهم «يد الله مغلولة»، كما يدرك الإمام أنه لو قال بخلق القرآن ولو مكرها خشية القتل فسيضل بذلك الكثير من الناس لما يعلمون له من قدر وفضل.
في الختام نريد أن نتفق مبدئيا على أن هناك ثوابت في الدين لا يمكن المساومة عليها، فهي لب الإسلام وعموده لا تتغير بتغير الافهام أو بتبدل الأزمان، نسأل الله الثبات على الحق والعزيمة على الرشد.