ضاري المطيري
أكثر شعب يتعامل مع السياسة هو الشعب الكويتي حتى وصل البعض إلى درجة الهوس في ذلك، فالانتخابات يعيش أجواءها المواطن من المهد إلى اللحد، وفي كل يوم يحمل معه البطاقة المدنية أو الجنسية قاصدا صناديق الاقتراع، فمن المدرسة إلى الجامعة ووصولا إلى نقابة الوزارة، ثم قد يتطور الأمر إلى الجمعيات التعاونية فإلى مجالس الأندية فالبلدي وينتهي به المطاف في الأخير إلى مجلس الأمة، وصارت فاكهة المجالس والدواوين هي كل ما يدور بين أعضاء مجلس الأمة والحكومة، ولتدلل على ذلك ما عليك إلا النظر إلى عدد الصحف السياسية اليومية وقارنها بالكثافة السكانية لدينا، كل هذا جعل من الصعوبة والعسر خداع القارئ واستغفال المتابع الجيد للأحداث، مما جعل في المقابل مسؤولية أكبر على عاتق أصحاب الصحف وإلزامهم بالمزيد من الدقة في سبيل الظفر باحترام وثقة المواطن.
محرر برلماني ومحلل سياسي يخلط بين التجمع الإسلامي السلفي والحركة السلفية العلمية رغم قدم افتراقهما، كما لا يفرق بين ثوابت الأمة وحزب الأمة رغم بعد المشرقين بينهما، لذا أخشى ألا يفرق لاحقا بين التحالف الوطني الديموقراطي والتحالف الإسلامي الوطني، كما أخشى ألا يفرق بين القائمة الائتلافية في جامعة الكويت والائتلاف الشيعي في العراق.
والخلط بين هذه التسميات له توابع سيئة وآثار كبيرة، تجعلني أستذكر قصة الملك الذي راسل قائد جيشه بعد انتصاره على خصومه فقال له «أحصهم»، أي أبلغني بعددهم، ولم يكن آنذاك قد عمل بالتنقيط فقرأها «أخصهم»، فبدلا من أن يقوم بإحصائهم قطع خصيهم، وبعبارة أخرى ضيع مستقبلهم الجنسي بلا رجعة وقطع نسل هؤلاء المساكين، وهذا يذكرني بنفسي عندما كنت في الصغر لا أفرق بين اسم نصراني وأنصاري.
من أمثلة ذلك ما وقع فيه أحد الكتاب في الخلط بين السلف والحركة السلفية، فلم يفرق بينهما مما أوقعه في حيرة من أمره، فبدلا من الاستفسار والسؤال و«شفاء العي السؤال» بدأ يفتي ويخلص في نهاية مقاله إلى وقوع التناقض، فكيف للسلفيين أن يحرموا المظاهرات ثم هم يشاركون فيها، وما يدري المسكين أن من حرمها ليس هو نفسه من شارك فيها، فأولئك سلف وأولئك حركة سلفية منشقة، صچ ثقافة صفر.
ما أريد قوله هو ان كثيرا من البيانات التي تنشر دون تثبت وتوثيق تسبب البلبلة وتحدث الشائعات ما لها أول ولا آخر، فالتثبت التثبت والدقة الدقة، والحمد لله فهذه التجمعات والقوى السياسية هم أبناء الكويت «عايشين» بيننا ويمكننا سؤالهم عبر الهاتف أو على الأقل التحقق من مواقعهم الإلكترونية لمعرفتهم عن قرب.
ليت الإخوة في الإعلام المرئي والمقروء عموما يأخذون «كورسات» في المصطلحات والتعاريف ومعانيها ومشتقاتها اللغوية حتى لا يقعوا في الخلط، لكن مع ذلك تبقى مشكلة أخرى لا تقتصر على المصطلحات والتعاريف بل تتعدى إلى الذاكرة، فالبعض ذاكرته صفر أو فاقد الذاكرة بالأصل أو يمكن ربما لا يقرأ الصحف بالمرة ومع ذلك تجده شغوفا بالتحليل والتنظير السياسي مع كل هذه المؤهلات، فأحدهم في لقاء تلفزيوني يحاور النائب د.وليد الطبطبائي ويشنع عليه، كيف له أن ينكر على النائب أحمد المليفي الاستجواب وتوقيته بينما يسمح لنفسه بما لا يسمح لغيره به؟ فما كان رد د.الطبطبائي إلا أن قال «أنا وليد الطبطبائي» يشير بذلك إلى مقدم البرنامج أنه خلط بين الأعضاء وبين مواقفهم المشهورة المعلومة، فالدكتور الطبطبائي لم ينكر على المليفي إطلاقا بل آزره آنذاك وما زال، فيا خوفي أن يزعم البعض أن الطبطبائي حكومي أو أن التكتل الشعبي يخشى الحل أو أن التجمع السلفي يعرقل التنمية بكثرة استجواباته وتشنجاته، أو يتهم التحالف الوطني الديموقراطي بالسعي نحو عودة الخلافة الإسلامية.
في الختام، أؤكد أنني أجد نفسي عاجزا عن فهم البعض في تحليلاته وتسميته للأشياء بغير اسمها، ولا أدري صراحة أهو استعباط أم عبط حقيقي أم هو شيء يدل على أن فهم البعض لقضايا الجماعات والكتل والأحزاب صفر على الشمال وانه سياسي أي كلام؟ أتمنى أن أجد إجابة شافية كافية.